أكتب اليوم عن موضوع أذهلني عندما قرأت عنه في موقع مجلة التايم ، شيء كنا نسمع عنه فقط في أفلام الخيال العلمي!
قبل أسابيع قليلة كنت أشاهد برنامجا تلفزيونيا علميا يتحدث عن سناريوهات توصل لها العلماء من المحتمل أن تسبب نهاية الحياة على الأرض ، البرنامج كان مثيرا للكآبة لأن تنفيذه كان بشكل درامي و يتناول حياة شخص واحد خلال أول يوم من آخر أيام الحياة على الأرض ، السناريوهات و الاحتمالات معروفه لنا ، فمرة يكون الاحتمال بسقوط نيازك عملاقة من الفضاء و مرة بانتشار وباء فتاك و أخرى بتسونامي عملاق أو ببركان تنشق عنه الأرض.. و هكذا ، جميع الاحتمالات مبنية على أسس علمية… عدى آخر احتمال… و هو الاحتمال الوحيد الذي قال عنه مقدم البرنامج بأنه من نسج الخيال ، الاحتمال الخيالي هو عبارة عن تجربة علمية عملاقة يحاول بها العلماء أن يخلقوا مجالا مغناطيسيا عملاقا في محاولة لمحاكاة ما يحدث للنجوم في نهاية موتها و تكوين “ثقب أسود” .. بغرض الدراسة طبعا ، و لكن خللا ما يحدث للتجربة مما يجعل هذا الثقب الأسود يخرج عن نطاق السيطرة و يلتهم الأرض و ما عليها! لا يخفى عليكم مقدار الأحاسيس السوداوية التي تشعر بها بعد مشاهدة هذا البرنامج ، فبالأفلام الخيالية عادة ما يقوم البطل بإنقاذ العالم.. أما هذا البرنامج فلا بطل فيه… يعني رايحين ملح رايحين ملح
عادت إلي صور و ذكريات ذلك الفلم العلمي عندما شاهدت و قرأت تقرير التايم المصور بخصوص تجربة علمية ضخمة جدا تقوم منظمة الأبحاث النووية الأوربية CERN بوضع اللمسات النهائية لها هذه الأيام ، ستجرى هذه التجربة الضخمة و التي تم الاعداد لها على مدى خمسا و عشرين عاما في أكبر معمل للفيزياء الذرية في العالم ، نشاهد هذا المعمل في الصورة التالية :
إي.. أخاف صج 😛
لا يبا.. هذا هو المعمل الذي ستتم فيه التجربة :
إي والله صج هالمره.. هذا هو المعمل 🙂
كما ذكرت أعلاه… هذه التجربة تم الاعداد لها على مدى 25 عاما ، و القائم عليها هي منظمة الأبحاث النووية الأوربية و التي تكللت أبحاثها السابقة منذ عام 1952 إلى اليوم بالعديد من الاكتشافات التي غيرت وجه العالم ، لعل أبرز هذه الاكتشافات هي الفكرة التي خرج بها تيم بيرنرز لي عام 1990 من بين أروقة هذه المنظمة و التي عرفت لاحقا باسم…. شبكة الوب…. التي أخاطبكم اليوم من خلالها 😎
يعني باختصار… هاذي ناس مو قاعدة تلعب 🙂
الآن… نعود للتجربة الخطيرة…
ما قام العلماء ببنائه داخل هذا المعمل هو منظومة يطلق عليها اسم المصادم الهدروني الجزيئي الكبير (The Large Hadron Particle Collider) ، ما أدري ليش على كثر هالعلماء اللي عندهم ما عرفوا يختارونله أسم أحلى مثل…. “صِدام”.. أو “هِدار” … أو “جَزائِـئ”.. مثلا يعني 🙄
ما هي التجربة بالضبط؟
هنا نأتي للكلام الثقيل !
باختصار.. و كما فهمت… هي خلق أجواء مشابهة لما حدث عند بدأ تشكل مادة الكون عندما حدث ما يطلق عليه اسم الانفجار العظيم Big Bang ، ما سيحدث داخل المصادم الهدروني (الذي نرى جزءا منه في الصورة أعلاه) هو إطلاق شعاعين من جزيئات يطلق عليها اسم “هدرونات” عبر أنابيب دائرية بطول 27 كيلومترا و مدفونة تحت عمق 100 متر تحت الأرض باتجاهين متضادين و بسرعة عالية جدا يتم التصادم بينهما بالنهاية ، عند التصادم سيقوم العلماء باستخراج ملايين الجيجابايتات من المعلومات عبر مجموعة من أجهزة الرصد و القياس.
إحدى أجهزة القياس -والتي نراها بالصورة أعلاه- تتكون من ملف مغناطيسي سيقوم بإنتاج مجال كهرومغناطيسي أكبر بمئة ألف مرة من المجال المغناطيسي للأرض (100.000مرة) ! لف هذا الملف المغناطيسي فقط استغرق خمس سنوات… نفس عدد السنوات التي نضع لها خطة التنمية لدولتنا/دولنا الكريمة 🙂
لكي نكون دقيقين.. عدة تجارب ستجرى باستخدام المصادم الهيدروني ، أجهزة الكمبيوتر التابعة للمنظمة ستقوم بمعالجة ما يقدر بخمس عشر مليون جيجابايت من المعلومات… سنويا! تلك المعلومات لن تكون حصرا على علماء المنظمة ، آلاف العلماء حول العالم سيشتركون في تحليل تلك المعلومات باستخدام عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر الموصولة بشبكة عالمية لتتوزع من خلالها عملية التحليل ، أعتقد بأنه سيطلق على تلك الشبكة اسم “درع الجزيئة”… لحظة خل أجيك…. لا لا.. سيطلق عليها اسم “الشبك” (Grid) 😐
ماكو جهاز القياس اللي تكلمنا عنه و اللي صارلهم خمس سنين يلفون وايراته؟ ذلك الجهاز هو واحد فقط من أجهزة القياس التي ستستخدم كما ذكرنا ، عدد العلماء الذين سيشاركون أو يعاونون في التجارب المتعلقة به يقدر بأكثر من ألفي عالم (2000) من سبعا و ثلاثين دولة ، أكيد الحين تسأل… أنا اسمي مكتوب؟! … ما أدري… لكن انتظر إلى نهاية هذا المقال.
جهاز آخر للقياس هو الذي نرى جزءا منه في الصوره أعلاه مهمته هي قياس المادة (Matter) التي ستنتج تحت الحرارة السوبر فائقة التي سيحدثها المصادم الهدروني ، الحرارة أكثر فقط بمئة ألف مرة من حرارة الشمس… بس 🙂 ، عاد هالتجربة لازم يشرف عليها واحد كويتي… لأن إحنا عندنا خبرة بالحرارة العالية ما يشاركنا فيها إلا الضبان و العقارب 😈 ، تلك الحرارة المتوقعة ستعادل الحرارة التي حدثت بعد الانفجار العظيم و تكونت منها مادة الكون.
مجموع التجارب المخطط لإجرائها في المصادم الهدروني الكبير هو ست تجارب.. استعرضنا منهم اثنتين ، هناك العديد من “النظريات” التي فكر بها العلماء حول ما يمكن أن يحدث أو ينتج من عملية الاصطدام المدروس ، علماء منظمة الأبحاث النووية الأوربية متأكدون من أن نتائج هذه التجارب ستفتح الباب للخروج بأجوبة للكثير من الأسئلة العالقة بلا جواب في مجال الفيزياء النووية.
الكثير من الأسئلة تدور ببالي… و ربما ببالك أيضا حول هذه التجربة و ما حولها ، إلى أين نحن ذاهبون.. و إلى أين سنصل؟ ما هي منتجات نتائج هذه التجارب؟ طبعا… كيف يفكر هؤلاء و كيف نفكر “نحن”؟ ما هي الأخلاقيات التي تحكم أو ستحكم هذه التجارب؟
و طبعا.. أول سؤال تبادر إلى ذهني هو… مالذي يمكن أن يحدث إذا صار شي غلط؟ خاصة و أن صورة أنابيب الأشعة الهادرونية تشبه بشكل مخيف جهاز تجربة الثقب الأسود الذي شاهدته بالفلم سيء الذكر! و خاصة أيضا أن التجربة ستكون في فرنسا… يعني يمنا 😆
بالنهاية يجب أن أذكر أنه بعد قرائتي لتقرير مجلة التايم توجهت لموقع وكالة الابحاث النووية الأوربية و سرني قرائتي لخبر توقيع بروتوكول تعاون بين المنظمة و بين المملكة العربية السعودية ممثلة بجامعة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم و التكنولوجيا ، الأمر الذي سيتيح للعلماء السعوديين مشاركة مع نظرائهم من علماء مختلف دول العالم و الاستفادة من تجاربهم و خبراتهم المختلفة ، الجدير بالذكر أن اتفقات مماثلة تمت بين الوكالة و دول أخرى من دول المنطقة مثل الجزائر و مصر و إيران و الأردن و المغرب و باكستان و الإمارات العربية المتحدة ، فهل سيشارك علماؤنا بالتجارب الهدرونية؟
ربما 🙂
——-
مصادر:
مجلة التايم:
The Large Hadron Particle Collider
موقع منظمة الأبحاث الذرية الأوربية:
European Organization for Nuclear Research
———
تحديث:
http://www.moayad.com/me/?p=206