أرشيف التصنيف: Philosophy

للكويتيين فقط

للكويتيين فقط
 

قبل أن أبدأ كلامي علي أن أقر بأن موضوع تخصيص مستشفى جابر للكويتيين غير هام بالنسبة لي حاليا! فالمستشفى لم يجهز ولم يفتتح ولا أحد يعلم متى سيدخله أول مريض، مشروع كان من المفترض أن يفتتح بشهر ديسمبر ٢٠١٣، ونحن الآن بمنتصف أكتوبر ٢٠١٥ ولسنا نرى ضوءا بمدخل بوابة المستشفى بعد. فلو كنت سأناقش المستشفى بحد ذاته لناقشت سبب تأخر إنجازه ومدى ما صرفت عليه من تكاليف، لكن ذلك أيضا ليس من ضمن اهتماماتي. لكن الضجة الإعلامية التي صاحبت التصريح بنية جعله مخصصا للكويتيين أثارت لدي الكثير من التساؤلات.

أكتب هذا المقال بمنتصف شهر أكتوبر ٢٠١٥، فأين المستشفى؟
أكتب هذا المقال بمنتصف شهر أكتوبر ٢٠١٥، فأين المستشفى؟

[tooltip text=”Tooltip Text”] [/tooltip]

السؤال الأساسي الذي سأطرحه وأحاول الإجابة عليه هو: هل أساس اتخاذ قراراتنا ومواقفنا مبني على تحقيق مصلحتنا الخاصة؟ أو تحقيق مصلحة الأغلبية؟ أو تحقيق مصلحة أصحاب السلطة؟ أو تحقيق مصلحة عامة أسمى؟

لا تتسرع بالإجابة!

لنأخذ مستشفى جابر كمثال. نعم، أنا كمواطن كويتي أعيش في دولة الكويت من مصلحتي بأن يخصص لي مستشفى خاص بأبناء بلدي يتلقون فيه رعاية عالية المستوى دون ازدحام ولا تعطيل. لا أحد منا يعاف الحصول على خدمة مميزة ومعاملة خاصة تشعره بأهميته. إذن، ككويتي من المنطقي أن أؤيد تخصيص مستشفى جابر للكويتيين، لأن في ذلك تحقيق لمصلحة لي، لا خلاف على ذلك.

الكويتيون ليسو أغلبية في وطنهم، لذلك إن نظرنا للموضوع من ناحية الأغلبية فإن تخصيص مستشفى جابر للكويتيين لن يحقق مصلحة الأغلبية بشكل مباشر. لكن إن اتجه الكويتييون إلى هذا المستشفى الجديد فسيخف الضغط على بقية المستشفيات، بالتالي سيجد الوافدون (وغيرهم) فرصة أفضل للحصول على العلاج ببقية المستشفيات. نعم بقية المستشفيات ليست بحجم مستشفى جابر، وليست جديدة ولامعة نفسه، لكن تلك ليست أمورا بغاية الأهمية. لكن، إن أمعنا التفكر بهذه النقطة فإننا سنجد بأن فتح مستشفى جابر لكافة الجنسيات سيكون له نفس التأثير، أي أن الضغط على بقية المستشفيات أيضا سيقل على كل حال. بالتالي فإن مصلحة الأغلبية ستتحقق بشكل أفضل لو فتح المستشفى لعموم لجنسيات بدلا من أن يخصص للكويتيين.

من ناحية أخرى لنا أن نطرح تساؤلا أكثر صعوبة٬ ماذا لو كان رأي أغلبية الكويتيين، ممثلا بقرار من مجلس الأمة مثلا، يساند مسألة رفض علاج الوافدين فيه؟ أو قياسا على ذلك، ماذا لو كان رأي أغلبية الشعب يصب ناحية اتخاذ قرار ظالم أو غير “أخلاقي” (كالقرارات المقيدة للحرية الشخصية مثلا)؟ هل تكفي الأغلبية لإقرار وتقبل هذا القرار؟ أم أنه لا بد وأن تأخذ المصلحة العليا السامية بالحسبان؟ تلك قضية أكبر قد لا يكون مكانها هنا ولكن لنضعها باعتبارنا على الأقل.

من ناحية أخرى فإن الكويتيين هم أصحاب القرار وأصحاب السلطة في وطنهم، لذلك إن نظرنا لمسألة تحقيق مصلحة أصحاب السلطة فإن قرار تخصيص مستشفى جابر للكويتيين قرار مناسب، كما أوضحنا بالفقرتين السابقتين. على فكرة، تحقيق مصلحة أصحاب القوة أو السلطة على حساب غيرهم من المستضعفين هو أحد تعريفات الإمبريالية.

 

المصلحة الأعلى والأسمى، أي رعاية مصالح جميع البشر دون تفرقة أو تمييز، هو أنبل ما يمكن أن يسعى له الإنسان. هو ما تنادي به الأديان والشرائع والدساتير والقوانين الدولية، هو ما تفاخر به الدول المتحضرة، هو ما نشعر بالغبطة عندما نقرأ أو نسمع عنه بتلك الدول المتحضرة، ما نطرب عندما نسمع أحمد الشقيري يتغنى به كل رمضان بخواطره! لا يوجد ذو عقل وضمير يرفض مبدأ تحقيق المصلحة الأعلى والأسمى، لكن ذوو أولئك العقول والضمائر قد يتناقصون عندما يعلمون بثمن تلك المصلحة العليا!

لا يمكن تحقيق مصلحة عامة دون تضحية من أصحاب المصالح الخاصة! ذلك واقع مر لابد من تقبله. لو كانت العدالة سهلة لما شقى أحد. الكويتييون أصحاب سلطة في وطنهم، وبإمكانهم بحكم سلطتهم أن يقروا من القوانين ويتخذوا من الإجراءات ما يحقق مصلحتهم ولن يستطيع أن يوقفهم أحد… “ومن لا يعجبه الوضع فليغادر البلد!“. إن كان هذا هو رأيك فهنيئا لك ضميرك المرتاح الذي يتيح لك نوما هانئا.

ككويتي أعيش في وطني يمكنني أن أعتبر نفسي محظوظا لحصولي على امتيازات لا تعد، امتيازات أساسية بالصحة والتعليم والسكن والأمن والتعبير، امتيازات قد لا تتوفر لذلك الوافد، ويوما ما قد لا تتوفر لأحفادي أو أبنائهم! لكني قبل أن أهنأ بهذه الامتيازات لا أملك إلا أن أسأل نفسي، هل أنا على استعداد لأشرك غيري بها؟ هل أنا مستعد للتنازل عن بعضها مقابل أن يحصل عليها غيري من البشر الأقل حظا مني؟ على ماذا سأحصل مقابل تنازلاتي هذه؟ وربما يجب أن أسأل نفسي سؤالا أعظم، هل قدمت أو فعلت ما يجعلني أستحق هذه الامتيازات التي أحصل عليها؟ أم أني أتمتع بها فقط بسبب تمييزي البيولوجي الذي أتاح لي ذكر كلمة “كويتي” في خانة الجنسية ببطاقتي المدنية؟ تلك أسئلة لا بد وأن يطرحها كل ذو ضمير على نفسه، أسئلة “النفس اللوامة” إن صح التعبير.

نحن ككويتيون (أو خليجيون) نواجه معضلة ثقافية ضخمة تطاردنا منذ عقود طويلة، وهي محاولة التخلص من “عقدة الثراء الجيولوجي” التي صاحبتنا منذ اكتشاف النفط تحت أقدامنا. كيف نبين للعالم (وأشقائنا العرب على وجه الخصوص) بأننا لسنا طماعين ولا جشعين رغم ثرائنا؟ كيف نبين بأننا أهل الجود والكرم والإنسانية؟ السبيل الأساسي الذي اتخذناه من أجل التخلص من الإحساس بالذنب يتمثل بتقديم “المساعدات” للآخرين، تقديم الأموال، القروض، بناء المستشفيات والمدارس، حفر الآبار، بناء الجسور والسدود… وغيرها من الأموال الطائلة التي تخرج من ميزانياتنا لتصب في أرصدة الدول الشقيقة والصديقة (وحتى تلك الأموال يتحسر عليها البعض!). أو تلك الأموال التي تجمعها المؤسسات والجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء والمشردين والمصابين بالكوارث حول العالم، أو حتى موائد الإفطار وتوزيع قناني المياه في حر الصيف. بالنسبة لنا هذا “العطاء” هو مسعانا من أجل إبراء الذمة وإراحة الضمير و”إحنا سوينا اللي علينا وما قصرنا معاهم!“. لكن السؤال هو، هل مجرد تقديم المساعدات للغير أمر كاف لإثبات أننا “سوينا اللي علينا“؟

مفهوم “الخير” أو “العطاء” أو “الإنسانية” الذي تربينا عليه ورسخ في ثقافتنا مفهوم ناقص! فكأننا نقول “نحن نعطي المحتاجين من أموالنا على شكل صدقات وذلك كاف، ماذا يريدون أكثر؟ يريدون أن يشاركوننا في أرزاقنا؟!“. نعم، العطاء المادي هام جدا، لكنه ليس كافيا إنسانيا، أن تعطي المال للآخر متفضلا عليه وأنت تشعر بالأسى تجاهه… أوحتى القرف من حالته… فتلك صدقة يتبعها أذى! أخوك الإنسان ليس بحاجة لفضلة أموالك! هو محتاج لأن يشعر فعليا بأنك تهتم به كاهتمامك بأخيك أو ابنك، محتاج لأن يشعر بأنك تراه مساويا لك بالإنسانية… لا شخص مستضعف أساعده من باب تأدية الواجب! مفهوم “العطاء” الناقص الذي تربينا عليه وزرع بثقافتنا من خلال التربية والإعلام ممثلا بالدروس والمواعظ والأناشيد والدعايات التلفزيونية لا بد وأن يتغير إن أردنا أن نكون “إنسانيين”… لا متخلصين من عقدة.

قبل أن تجيب على الأسئلة التي طرحتها من خلال هذا المقال فكر جيدا، أنظر لها من كافة الجوانب، فكر بتبعات إجاباتك. ضع نفسك مكان ذلك المستضعف الذي ستتميز عنه، أو اقلب الأدوار، تخيل نفسك أنك أنت الغريب في دياره. لو كنت مغتربا، هل كنت ستسعى للاغتراب في وطنك؟ أم أنك ستغترب في بلد “متحضر”؟ تخيل نفسك في كلا البلدين ثم أجب. قارن بين ما يمكن أن تتنازل عنه أنت من امتيازات وبين ما يمكن أن يتنازل عنه ذلك “المتحضر” لك.

لن أقدم أمثلة، ولن أطرح حكما ومواعظ، كل ما أطرحه هنا هو الكثير من التساؤلات التي لن يستطيع أن يجيب عليها أحد غيرك.

Ordinary Night – ليلة عادية

Ordinary Night (in Birmingham) from Moayad Hassan on Vimeo.

 

The scenes of this film were shot on an ordinary January night in Birmingham, UK. There is nothing special about them, no special event happening, no special beauty to show, no special people doing special things. Just people ending their day on the streets of ordinary Birmingham City Centre.

I’ve shot many films of Birmingham during the 7 years I spent living in it, you can find them here, but this film is kind of special to me because I can relate to those ordinary nights, there is a personal bond to the places and people appearing in it.

Shot with a hand held Black Magic Pocket with Leica Summicron 50mm f/2. It’s my first edit with Adobe Premiere Pro CC 2015, and marks my comeback to Premiere after some long many years of working with Final Cut Pro. I kind of pushed the ProRes 422 codec to the limits with the colour grading of some scenes, but the results are not bad in my opinion, although a faster lens (and a monopod) could’ve helped a bit.

——-

مشاهد هذا الفلم صورت بليلة عادية من ليالي الشتاء في مدينة بيرمينجهام، لا شيء غير مألوف ولا فائق الجمال فيها، فقط أناس عاديون ينهون يومهم في شوارع هذه المدينة العادية.مدينة بيرمينجهام البريطانية هي مدينتي التي عشت فيها ٧ سنين عندما كنت أدرس في جامعتها، هي أقرب لكونها وطن ثان لي. عندما أسير في شوارعها فلا أحس إطلاقا بأني غريب أو سائح… حتى بعد أن مضت ما تقارب الثلاث سنوات على مغادرتي لها وعودتي إلى الكويت. هي مدينة بالفعل ليس بها غريب، فإن تأملت في وجوه سكانها الذين تشاهدهم في هذا الفلم ستجد فيهم تنوعا منسجما من البشر، من مختلف الأشكال والألوان والأنواع. هي مدينة تفتح ذراعيها للكل، تحترم الكل، تقدر الكل، وتعطي للكل فرصة. فلا غرابة إذن أن اعتبرها وطن لي، فهي وطن لكل الغرباء… بها يجدون انتماء ويمارسون حرية إن تخلت عنهم وقمعتهم أوطانهم.

 

ordinary night

جراحة دون تخدير

wounded

 

كلامي القادم سيكون مرا، وربما مؤلما، لبعض الناس، لكنه رأي من الضرورة أن يقال بلا مجاملة، وهي أسئلة لابد أن تطرح مهما كانت صعوبتها. أعلم أن جرح الكويتيين مازال مفتوحا، لكن هل ألم الجرح يعطي الضحية حق الانتقام العشوائي؟ وهل يجوز لأحد احتكار دور تلك الضحية؟

قبل الانطلاق في بناء هذا النقاش علينا أن نؤسس قاعدة واضحة له، فنسأل سؤالا محوريا: هل تحركنا القادم بعد أن شهدنا ما شهدنا من أحداث سيكون في طريق محاربة فكرة التطرف؟ أم مطاردة الجاني؟إن كان الجواب هو مطاردة الجاني… فالجناة كثر! إن أمسكنا واحدا سيظهر مكانه عشر، لأن فيروس مرضهم مازال منتشرا. أي قارئ لتاريخ المنطقة – بالغ التعقيد – سيعلم بأن للعنف لدينا تاريخ ضارب العروق، دور الجاني والضحية فيه متبدل باستمرار. فأي جانٍ سنطارد وأي جان سنترك؟! لو أمسكنا كل الجناة فكل البلد ستبات بالسجن! وإن قلت أو حاولت إقناع نفسك بغير هذا الكلام فأنت إما واهم أو منافق!

إن قلت بأن “هم” الجناة وأنت الضحية… فيالسذاجتك! لوم “الآخر” وتلبيسه التهم أساس الداء العضال الذي شل جسد أمتنا لقرون طويلة… بل وشل العالم أجمع، ونحن نعيش أعراضه إلى اليوم. أعتذر لتكرار الكلام، لكن كما قلت في الصورة الكبيرة، فعل “التأشير” على الآخر هو بالفعل مرض قومي عضال زرع في ثقافتنا وأنهك مجتمعنا البائس.فأي جانٍ سنطارد وجميعنا جناة؟ على أي “آخر” سنؤشر وكل منا “آخر” لغيره؟فلنصحُ إذن من هذا الوهم القومي الزائف!أليس الأجدر إذن أن نعود لأساسنا الذي سنبني عليه النقاش ونختار أن نحارب فكرة التطرف ذاتها بدلا من محاربة من نظن أنهم متطرفون (فقط لأنهم مختلفون عنا)؟

انتشرت في الخطاب الإعلامي والسياسي مؤخرا كلمات قمنا بترديدها بمناسبة ودون مناسبة، كلمات مثل تجفيف منابع الإرهاب وقطع رأس الأفعى وغيرها، وخرجت لنا مقترحات مكررة تصب في تيار قمع الفكر المتطرف ومنعه من الحركة والكلام والتعبير وحبسه وطرده وقطع دابره! طيب وبعدين؟ أتحدى المطالبين بقطع دابر الإرهاب وتجفيف منابعه أن يحدثوني بما هي الخطوة التالية لذلك؟ خلاص؟ سيخاف الإرهاب ويبتعد حتى يتلاشى عن الأنظار؟ كان غيرك أشطر! لن يتلاشى الإهاب ولن يتبخر في الهواء… بل سيعود ثانية بشكل مختلف ربما يكون أخطر من الأول، الأمر ليس فلما هوليووديا ينتصر فيه البطل بالنهاية.

بدلا من المناداة بالمحاربة والطرد والتجفيف وقطع الرؤوس… علينا أن ننادي بالمسالمة والترحيب والتقبل… بل وحتى التجاهل. لا، ليس ذلك كلاما رومانسيا حالما! بل هو الطريق الوحيد للخلاص الحقيقي مما نعاني منه… للأبد!

تصرفات البعض بالمسارعة بأخذ سكرين شوت لتغريدة يحسبها متطرفة كتبها هذا الشخص، ونقل فيديو لكلمة يظنها طائفية قالها ذاك، وكأن الأمر عبارة عن جمع للأدلة الجنائية لن يحل شيئا، بل إن نقلك لتلك الكلمات التي تراها طائفية أو مثيرة للكراهية تظهر مقدار الكراهية التي تملكها أنت بنفس النسبة! لأنها عملية “تأشير” بحد ذاتها. نقل كلمات الكراهية والتركيز عليها تعني تحسسك من الاختلاف الموجود بينك وبين ذلك الآخر…

ليش ما يحبني؟
ليش يعيب علي؟
ليش يتطنز على مذهبي؟
ليش يسب عايلتي؟
ليش يطالب بشي أنا ما أبيه؟

يا أخي كيفه! دعه يقول ما يريد… لماذا القمع؟

لا تقدم لي الحكم والمواعظ عن الأثر الخطير للكلمة فإني أحفظها أكثر منك! فكما أن للكلمة الخبيثة أثر فإن للكلمة الطيبة أثر أقوى.

ثقافة اللقافة لدينا متأصلة بشكل مرضي، ولابد من علاجها. وبرأيي فإن جرثومة اللقافة هي أساس التطرف الموجود لدينا دون منازع… وليس مجرد المناهج أو المنابر كما يحاول أن يقنعنا البعض! اللقافة هي التي تحركنا نحو انتقاد معتقدات الآخرين وأسلوب كلامهم وأشكالهم وتصرفاتهم، وهي المسبب الأول للحساسية من الآخر. بالتالي لكي تستطيع أن تقاوم التطرف عليك أن تتوقف عن تتبع كلمات الآخرين عنك، وتتوقف عن تدخلك بشؤونهم بحديثك عنهم… بالسر وبالعلن، وأركز هنا على نقطة السر والعلن. كونك – على خلاف المجاهر بالكراهية – تكنُّ عصبيتك في قلبك أو تحصر الحديث بها بين أهلك أو أصدقائك لا يجعل منك شخصا أفضل ولا أكثر تسامحا ولا أكثر “وطنية” من ذلك المجاهر.

لا تكن طفلا وتقول: “هو من بدأ!” … توقف عن تمثيل دور الضحيةاكبر! احتكارك لدور الضحية يعني أنك اختزلت آلام كل من تأذى بنفسك أو بطائفتك أو حتى بجنسيتك وعرقك، والآلام إنسانية ولا هوية لها… ولا تحتكر. فاحذر أن تأخذ الألم بشكل شخصي، احذر أن تكوّن ردة فعل انتقامية نتيجة لجرح. ودع عنك مسألة العزة والذلة والكرامة والإباء والخذلان… تلك قصص يرويها لنا المعلمون والملالية والشيبان ليسهل عليهم التحكم بنا! لا تنخدع بها! لا تعطهم الفرصة لينقلوا أمراضهم لك! لا يقصون عليك!

هل معنى ذلك أن نستسلم وندير الخد الآخر وننتظر الصفعة القادمة؟

لا طبعا! لكن ما أطالب به هنا هو مجرد الخطوة الأولى والأساسية لمحاربة التطرف، خطوة قتل الطائفي الخفي الذي بداخلنا. هي خطوة تمهد الطريق للقادم، تعقم السطح والأدوات التي سنجري بها عملية تنظيف الجروح ومحاربة جراثيم الثقافة كلها، ويالها من عملية مؤلمة!

وهم الأمان

 

جانب من المعزين لأهالي ضحايا تفجير مسجد الإمام الصادق في الصوابر، مسجد الدولة الكبير، الكويت، ٢٧ يونيو ٢٠١٥
جانب من المعزين لأهالي ضحايا تفجير مسجد الإمام الصادق في الصوابر، مسجد الدولة الكبير، الكويت، ٢٧ يونيو ٢٠١٥

 

لا شماتة بالموت أو بالمصائب! تلك حقيقة لا خلاف عليها. فلا يرجى لضحايا أي مصيبة إلا الرحمة، ولا للمصابين بها إلا الشفاء، ولا لأهلهم إلا الصبر والأجر. نعم نتعاطف مع الضحية، ونغضب على المجرم، كما نفرح للخير الذي نراه في الناس، ونعتز بصدق وصلابة الموقف. لكن تلك المشاعر وحدها لا تكفي!

 

المسجد الكبير

 

الحزن والغضب والحماس تبقى بالنهاية ردود أفعال طبيعية على حدث كالذي أصاب الكويت، نعبر بها ونتقبلها… لكن لا يجب أن نكتفي بها! وأقول بأنها طبيعية لأنه واقعيا وتاريخيا دائما ما يتكاتف الناس وقت الأزمات والمحن ويتوحدون إذا ما شعروا بوجود خطر خارجي مسلط عليهم، لذلك رغم فرحتنا بهذا التكاتف والتوحد فلا يجب أن نعول عليه الكثير أو نعتبره الحصن المنيع الذي سيظل يحمينا إلى أبد الآبدين! فلابد لنا من القراءة والتحليل والتفسير والتقييم لما حدث ويحدث لنا ومن حولنا، تلك هي خطوات النقد السليمة، وهي كما نرى خطوات عقلية لا مجال فيها للعواطف. إن كنت ترفض إشغال ذلك العقل الناقد القابع في رأسك فلا تتابع بقية كلامي… يمكنك أن تكتفي بمتابعة قنوات الإعلام المحلية!

 

مدخل المسجد الكبير

 

على العقل الناقد أن يسأل: هل ما حدث كان مفاجأة غير متوقعة؟ هل نحن محصنون عما يدور حولنا من عنف؟

لست مسرورا على الإطلاق بقولي أننا كنا، وربما ما زلنا، نعيش في وهم الأمان!

وهم الأمان الذي أتحدث عنه برأيي نابع من مصدرين أساسيين:

١) نفاق اللحمة الوطنية
٢) الأمن المستأجر

نفاق اللحمة الوطنية بدأت الحديث به قبل أربع سنوات تقريبا، وأطلق عليه صفة النفاق هنا لأن ما نراه ونسمعه ونحسه إنما هو لحمة وطنية ظاهرية مبنية على أسس خاطئة، وقد تحدثت عن نفاق اللحمة الوطنية بتدوينة صوتية ومقال بعنوان الصورة الكبيرة، وهو المقال الذي كون أساس كتابي الذي يحمل نفس العنوان.

[soundcloud url=”https://api.soundcloud.com/tracks/33121388″ params=”auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false&visual=true” width=”100%” height=”450″ iframe=”true” /]

والحديث عن مقال وكتاب الصورة الكبيرة يسحبنا لقاع مستنقع النفاق الذي نعوم فيه!

فعندما حاولت – كما فعل غيري – مناقشة الأساس الثقافي لمشاكلنا الحقيقية كالطائفية والفساد وثقافة العنف وغيرها من أمراضنا الثقافية… أُمِرت بالسكوت! فكما يعرف بعضكم تم منع كتابي من قبل إدارة الرقابة بوزارة الإعلام الكويتية بحجة “الإساءة للقبائل” التي وجهت لمقال الصورة الكبيرة بالذات، ولغيرها من الأسباب التي لم يفصح عنها إلى الآن، ولكم أن تقرأوا المقال وتحكموا إن كان فيه أي إساة… أم أنه يقدم علاجا للإساءات! الحقيقة هي أن الرقيب – وما يمثله هذا الرقيب – اختار أن يدس رأسه بالتراب عوضا عن مجابهة المشاكل.

A photo posted by Moayad H (@moayadcom) on

 

إحنا ما عندنا هالسوالف… إحنا بخير… إحنا أحسن من غيرنا…”…
إنت قاعد تثير الفتن… إنت قاعد تشوه صورة الكويت… إنت تسيء لمجتمعنا!

تلك هي الجمل التي يجابه بها كل من يحاول أن يكشف على عقلنا المريض، يُطرد الطبيب… يقيد… يكمم… ويترك المرض ليستشري، لأنه عيب ننكشف… واخزياه! فعوضا عن تشخيص المرض وعلاجه يتم وخز المريض بإبر المورفين المخدرة… لأن ذلك أريح له ولنا، ونحن شعوب تعشق الراحة ومغرمة بالبحث عن الأسهل. إبر المورفين تأتي بعدة أشكال، على شكل شعارات أحيانا، أو أغان، أو خطب أو مواعظ دينية. تجد روشتة المورفين موصوفة بدقة بمقال الصورة الكبيرة، وتراها حية وتسمعها وتقرأها يوميا بالقنوات الإعلامية المحلية… خاصة الرسمية منها. وهل هناك أجمل من ذلك المورفين الثقافي لمن يبغي العيش في وهم الأمان؟

اسمحولي على التشبيه الدامي التالي…

طريقة تعاطي مسؤولينا – ومن يتبعهم ويتأثر بهم – مع ما يحدث لوطننا يذكرني بهذا المشهد من فلم Saving Private Rayan، نرى في هذا المشهد الدرامي طبيب السرية وقد أصيب بطلق ناري في كبده، ومن حوله زملاؤه الحائرون عاجزون عن مساعدته 🔞:

(المشهد قد لا يصلح لأصحاب القلوب الضعيفة… ولا للجبناء الهاربين من مواجهة الواقع!)

 

لا أدعو هنا لليأس والاستسلام! بل بالعكس… أدعو لمجابهة المرض وعلاج الجرح… وإعادة حقن المورفين إلى مخازنها! أدعو للصحوة من الأوهام، لكشف الحقائق، لإعطاء الطبيب فرصة للعلاج… الطبيب الحقيقي المتخصص وليس الدجال والمشعوذ… أو الملّا! بل وأطلب أن يعطى ذلك الطبيب الحرية والأمان ليمارس تطبيبه… فلا يمكن للطبيب أن يعالج والقيود تكبل يديه والسيف مسلط على رقبته! وأطلب أن يترك المريض الحياء عنه وينكشف… ليس هذا وقت “الكسوف“! … ثم يبدأ العلاج.

سفهاء ماكدونالدز

 

قصة الفيديو أعلاه هي كما يلي:

شاب يبلغ من العمر ١٧ عاما يتصدى بشجاعة لمجموعة من رجال الأمن لقيامهم باستفزاز ومن ثم اعتقال رجل مشرد كان نائما في إحدى مطاعم ماكدونالدز في مدينة بيرمينجهام البريطانية. التفاصيل حسب رواية الشاب وأحد الشهود هو أن رجل الشرطة قدم للمطعم من أجل إخراج الرجل المشرد، فأخبره بأنهم لا يستطيعون توفير المأوى له اليوم وبالتالي فإن عليه أن يخرج ليس من المطعم وحسب بل من مركز المدينة ككل! عند رفض الرجل الخروج في ذلك الجو البارد استدعى الشرطي جماعته المكونة من ثلاثة أو أكثر من أفراد شرطة آخرين من فئة المناكب العريضة بكامل عدتهم ومرتدين قفازاتهم وقاموا بإخراجه من المطعم واعتقاله بتهمة إثارة الشغب.

في المشهد نرى الشاب المتعاطف مع الرجل المشرد معترضا على أسلوب تعامل الشرطي مع الموقف متهما إياه بأنه لا يحق له إخراج الرجل من المطعم دون تهمه من الأساس، وأنه هو من قام باستفزازه ومن ثم قرر اعتقاله بتهمة إثارة الشغب! وأبدى له امتعاضه من كون أن الشرطة تركت أداء واجبها الحقيقي في مكافحة الجريمة ومساعدة الناس وتوجهت لمضايقة المشردين والمساكين. رجل الشرطة من جانبه “سفه” الشاب واصفا إياه بأن أفكاره صبيانية وأنه جاهل سفيه ولا يفهم… طالبا منه أن يبين الجهة التي “تدعمه”، واستدار ناحية المصور طالبا منه التعريف بنفسه وإن كان صحفيا وسأله عن هويته. طبعا رد الشابين على الشرطي كان حاسما وقويا بأنهما يعرفان حقوقهما وأنهما في مكان عام ولا يحتاجان لتصريح أو هوية، وأن الجاهل هو أنت أيها الشرطي!

شاهدت هذا الفيديو البارحة ولم يستوقفني كثيرا، فقد مرت علي الكثير من المواقف المشابهة التي شاهدت فيها شبابا واعيا عارفا بحقوقه ويجيد التعامل مع مثل هذه المواقف التي تضطره للتعامل مع أصحاب السلطة من شرطة أو سياسيين أو غيرهم. كما أني لم أستغرب كثيرا من تعاطف الشاب مع الرجل المشرد لأن الشعوب المتحضرة تحترم إنسانية الإنسان بغض النظر عن مستواه الاجتماعي أو عرقه أو لونه أو جنسيته.

نعم سيخرج لي الآن من يردد جملا مثل أن الغربيين لو كانوا يحترمون الإنسان لما كان ذلك الرجل مشردا من الأساس… “وإحنا أحسن منهم لأن ما عندنا مشردين!“… أو غيرها من الهراء الذي حفظناه! ولن أطيل الرد على هؤلاء لكي لا أتعب نفسي بإيقاظهم من نومة النصف عين التي يتمتعون بها!

——–

 

قصة الفيديو أعلاه كما يلي:

نعم، الفيديو يبدو أنه أيضا تقع أحداثه في مطعم ماكدونالدز… لكن هذه المرة في إحدى مناطق دولة الكويت. نشاهد في هذا الفيديو الذي انتشر اليوم إمرأة قد تكون في الأربعينات أو أواخر الثلاثينات من العمر… طويلة عريضة ترتدي ثيابا مزركشة بألوان علم الكويت، غالبية حديثها نسمعه بلهجة كويتية… بالإضافة لبعض الإنجليزية المكسرة… وما يبدوا لي كلغة غريبة لم أفهمها صراحة.

ما فهمته هو أنه كان هناك سوء تفاهم بينها وبين العاملين في المطعم مما أدى لتقديمهم طلب خاطئ لها. الأمر بسيط ويحدث يوميا، أليس كذلك؟ ردة فعل المرأة على الموقف ليست بتلك البساطة على الإطلاق!

لا أعلم ملابسات الموقف ولا مقدماته ولا الحالة النفسية التي كانت فيها المرأة في ذلك الوقت، قد تكون هناك تراكمات أدت بالنهاية لانفجارها العصبي بهذا الشكل الذي نشاهده في هذا الفيديو… من نحن لكي نحكم على أعصاب وانفعالات الآخرين؟

لكن…

ما أثار عواطفي أنا وسبب لي حالة من الغثيان عند مشاهدتي لهذا الفيديو ليس انفعال المرأة وثورتها، لكن المتسبب في غثياني أمران:

أولا، ما ورد على لسانها من ألفاظ عنصرية. تبدأ سلسلة القبح اللفظي المسجلة بالفيديو بتحذير للعامل (الذي يبدو من لهجته بأنه مصري) من افتعال المشاكل في الكويت… لأنه تعلم “بأنهم” من الجواسيس في البلد! وأنها لن تنسى ما “فعلوه” أيام الغزو إلى يوم الدين… وأن من يدافع عنه هم خونة الكويت! ثم الإشارة إلى أنه موجود فقط من أجل الفلوس… دنانير الكويت! ثم تقوم بتذكيره بلجنة “الإبعاد” التي يبدو أن دوره قد أتى فيها من أجل “تسفيره” كما تدعي! ثم تتوجه بحديثها للعاملة الفلبينية بحديث لا يقل شدة عن ما سبقه لم أفهم منه سوى فكرة التأكيد على طلب “الكابتشينو”… رغم اعتذار العاملة اللبق الذي لم يشفع لها بشيء.

ثانيا، رغم زوبعة العنصرية والقذارة اللفظية التي كانت تكيلها تلك المرأة للعاملين في المطعم… هل وجدت من تصدى لها أو أوقفها أو حتى حاول تهدئتها؟ أبدا! أشجع من ظهر بالفيديو كانت الطفلة الصغيرة التي اقتربت من المرأة متأملة تصرفاتها باستغراب إلى أن سحبتها العاملة الآسيوية! أما بقية من في المطعم من رجال وفتيات فاكتفوا بالتفرج من بعيد… والضحك… والطلب من المصور بأن يأخذ “زوم” على وجه المرأة الثائرة!

—–

قارن الآن بين الموقف في المكدونالدزين!