قد تكون سمعت عن فكرة الجهاز الموجود في الصورة أعلاه ، فكرة الجهاز هي كونه عبارة عن كاميرا مجردة من العدسة يتم تركيبها داخل الكاميرات الفلمية لتتحول إلى ديجيتال ، أي يقوم المصور باستخدام جسد و عدسة الكاميرا الفيلمية دون الحاجة للفلم و ما يتعلق به من مجهود و تكاليف ، الفكرة رغم كونها قديمة جدا و تعود لما قبل عام 2001 ما زالت متداولة في أوساط عالم المصورين و تظهر للسطح بين فترة و أخرى على شكل كذبة إبريل! طبعا نتحدث هنا عن “فكرة” الجهاز لأنه واقعيا ليس موجودا بالأسواق… و لا نتوقع إنتاجه تجاريا في المستقبل القريب و ذلك لأسباب كثيرة أهمها -من وجهة نظري- ما سنذكره في موضوعنا هذا. بغض النظر عن المشاكل التقنية و التجارية المتعلقة بهذا المنتج من حيث محدودية جودة و سرعة الجهاز و حجم السنسور و صعوبة منافسة كاميرات الديجيتال الحديثة بمنتج مشابه السؤال الأهم هو ما هي فائدة هذا الجهاز أصلا لمستخدمي الكاميرات الفلمية؟
بخلاف ما كان عليه سوق الكاميرات في عام 2001 فإن الكاميرات الرقمية تكتسح الأسواق اليوم و قد وصلت لمستوى عال جدا تقنيا و بأسعار تنافسية مع المحافظة على بساطة الاستخدام ، بالتالي أصبحت هي الكاميرات السائدة بينما الفلم هو الخيار الاستثنائي ، من يستخدم الفلم اليوم يقوم بذلك رغبة باستخدام الفلم و ليس لأنه لا يستطيع أو لا يجيد استخدام كاميرات الديجيتال ، بالتالي سوق جهاز “دجتلة” الفلم سيكون محدودا جدا.
سحر الفلم
ذكرنا في الجزء الأول من موضوع عودة الفلم الضال بأن الفلم لم يمت ، الأفلام ما زالت تنتج و تطور و سوق الكاميرات الفلمية مازال مزدهرا و مستخدمي الفلم من جميع الأعمار نشطون و منتشرون ، فما هو السحر الذي يملكه الفلم و لا يوجد في عالم الديجيتال الذي يجذب هؤلاء المستخدمين؟
الجودة
الأفلام و كاميراتها تتنوع بالجودة و تتراوح بين السيء و فائق الجودة ، هناك الكثير من الكاميرات الفلمية المستعملة الممتازة و المتوفرة بسعر جيد ، كما أنه ما زالت هناك وفرة من الأفلام عالية الجودة بالأسواق المتخصصة ، عند استخدام كاميرة فيلمية جيدة مع فلم مناسب يمكن الحصول على صور ذات نقاوة يصعب مضاهاتها إلا بكاميرات الديجيتال باهظة الثمن ، الفلم بشكل عام يتميز بمدى ديناميكي عال (Dynamic Range) و دقة عالية (Resolution) خاصة بالأفلام متوسطة و كبيرة الحجم (Medium and Large Format) ، عند التصوير للعرض على الإنترنت أو للطباعة العادية قد لا يلاحظ الفرق كثيرا ، و لكن عند طباعة الصور الإعلانية الضخمة أو عند استخدام الطباعة الأرشيفية الممتازة الخاصة بالمعارض فإن الفلم يتفوق على غالبية كاميرات الديجتال.
التنوع
جميع كاميرات الديجيتال تتشابه في الصور التي تنتجها ، فلو ألغينا الفوتوشوب لما استطعنا أن نفرق حتى بين صورنا و صور أصدقائنا من حيث الألوان و الكونتراست ، أغلب الكاميرات تحتوي على إعدادات مسبقة تناسب تصوير البورتريه مثلا أو اللاندسكيب أو الأسود و الأبيض و لكن قليل من المصورين يستخدمونها بسبب اعتمادهم على التعديل الكمبيوتري اللاحق (ولا عيب في ذلك إطلاقا) ، لكن مع الفلم في أغلب الأحيان لا تحتاج للتعديل اللاحق على الصورة لأن كل نوع من الأفلام يتميز بألوان و كونتراست و “لووك” يميزه عن غيره ، فهناك أفلام تعطيك ألوان زاهية للغاية تناسب تصوير الطبيعة أو التصوير الإعلاني ، و أفلام أخرى ناعمة الألوان و الملمس تناسب تصوير البورتريه ، أما أفلام الأسود و الأبيض فهي عالم قائم بذاته! و لا ننسى هنا جمال التحبب الفلمي (Film Grain) خاصة عند مقارنته بالتشويش الرقمي (Noise) ، و الكاميرات كذلك تختلف في نوعية الصور التي تنتجها و بالذات كاميرات اللوموغرافي الممتعة.
الإبداع
أعلم بأن الإبداع كلمة مطاطة! ما أقصده هنا هو أنه على خلاف التكنيكات الثابتة للتصوير الديجيتال فإن تصوير الفلم فيه تنوع كبير بالتكنيكات تبدأ من عملية اختيار الكاميرا و الفلم و تستمر بكيفية تصوير الفلم و كيفية تحميضه و من ثم كيفية عمل المسح له (Scanning) أو طباعته.
يمكنك استخدام فلم 35mm عادي مع كاميرا فلم متوسط الحجم ، أو تصوير الفلم بسرعة أعلى أو أدنى من سرعته الطبيعية و من ثم تعويض هذا الاختلاف عند التحميض (Pull and Bush Processing) ، أو تحميض الفلم بمحاليل غير المحاليل المناسبة له (Cross Processing) ، و حتى عند استخدم محلول مناسب فإن ماركة المحلول و عمره (بالإضافة لعمر الفلم) تعطي نتائج مختلفة ، كل مرة تغير فيها أي خطوة أو مكون من مكونات عملية إنتاج الصورة ستتغير معك الصورة النهائية… سواء كان هذا التغير مقصودا أو غير متوقع.
الفلم الديجيتال
لا أقصد الاختراع الذي تكلمنا عنه في بداية هذا الموضوع ، أقصد بالفلم الديجيتال عملية التلاعب بالصورة الرقمية لتحويلها إلى صورة تشبه صورة الفلم ، نعم هناك طرق و برامج و أدوات يمكن استخدامها لمحاكاة الصورة الفلمية ، فما هي هذه الطرق؟ و ما هي فاعليتها؟ و هل تغني عن الكاميرا الفلمية؟ سنتحدث عن هذه النقاط في الجزء القادم من سلسلة عودة الفلم الضال.
———-
مصادر:
– Tom’s Style
– dpreview