من المعضلات التي أواجهها على الإنستاجرام هي إيجاد أناس “محليين” لأتابعهم، بالطبع فإن لكل منا معايير لنوعية الحسابات التي يحرص على متابعتها، وهي معايير تختلف من شخص لآخر، بالنسبة لي يجب أن يكون من أتابعه يقدم صورا من تصويره وليست مجمعة من جوجل أو الوتسآب أو غيرها من المصادر، كما يجب أن تكون الصور “جميلة” وفيها نوع من الإبداع، ويجب أن لا تكون صورا مشبعة بالفلاتر الفوتوشوبية أو غيرها بشكل يخرجها من روحها الطبيعية، ويفضل كذلك أن تكون غالبيتها مصورة بكاميرا الهاتف وليست صورا احترافية… ولكن قد أتنازل عن الشرط الأخير إن كانت الصور ذات مستوى ممتاز.
هناك بالطبع أشخاص يمكن أن أتنازل عن جميع الشروط السابقة من أجلهم وهم الأهل والأصدقاء المقربين، ولكن حتى هؤلاء قد يفيض بي الكيل وأحرمهم من تفضلي بمتابعتهم أحيانا إذا مصّخوها 🙂
هناك شرط أخير هام جد – وهو محور هذا البوست – وهو ألا يكون الحساب مقفولا أو برايڤت.
طبعا أحترم كون بعض الناس يستخدمون حساباتهم المقفولة من أجل نشر صورهم العائلية لأفراد محدودين، أو حتى لنشر صور حساسة أو حتى “ممنوعة” لمجموعة محددة من الناس بحيث لا يستطيع فريق الإنستاجرام الاطلاع عليها وحذفها لكونها تخالف سياسة الاستخدام… مثلا.
لكن الحاصل هو أن الكثير من الأكاونتات البرايڤت الموجودة على الإنستاجرام ليست بتلك الخصوصية من حيث المحتوى، بل إن بعضها يبدأ عاما ويضيفه أنواع مختلفة من البشر من جميع أنحاء العالم، لكن فجأة نجد الحساب قد انغلق على نفسه، هل تغيرت نوعية الصور الموجودة فيه؟ هل أصبح مخصصا لأفراد الأسرة والأصدقاء المقربين؟ الجواب على كلا السؤالين هو لا، بل التغير الذي حصل في كثير من الأحيان هو في نفسية صاحب أو صاحبة الحساب.
من خلال متابعتي لأحوال الإنستاجراميين خلال الأعوام الطويلة التي قضيتها مع هذه الخدمة وجدت قصة تتكرر مرة تلو الأخرى تنتهي “ببڤرتة” الحسابات، نجد الحساب يبدأ بداية حرة عادية وسعيدة مع القليل من المتابعين، ولكن مع انتشار الحساب وتوافد المتابعين عليه من القريب والبعيد نجد في بعض الأحيان صاحب أو صاحبة الحساب قد تعرض لضغط مؤذ سواء من خلال التعليقات الواردة على صوره أو حتى التعليقات الواردة خارج نطاق الإنترنت! تلك الضغوط تأتي على شكل “مواعظ” ذات ظاهر بريء أحيانا أو على شكل سخرية لاذعة وتصل حتى التهديد والوعيد… سواء بشكل مباشر أوغير المباشر!
هذه المواعظ أو السخرية أو التهديد في كثير من الأحوال ليس لها مبرر سوى تقديم ما يراه البعض “مختلفا” عن ما يودون أن يروه “بالعلن”، روح “المحتسب” المزروعة في داخلهم لا تستطيع أن تحتمل فكرة أن يشاهد عامة الناس المنظر الفلاني (لا أود التعميم ولكني متأكد بأن بعض هؤلاء لا مانع لديهم من مشاهدة نفس المناظر لوحدهم أو ضمن أروقة جروبات الوتسآب الخاصة بهم!)، قد يكون تعليقهم هذا موجه لمناظر تعتبر عادية لدى غيرهم أو لدى صاحب أو صاحبة الحساب… بل وحتى في حياة المعلقين الخاصة، لكن بسبب الصورة التي يحبون أن يظهروا أنفسهم بها نجدهم يجدون متعة أو راحة في إلحاق الأذى بغيرهم ممن لا تهوى أنفسهم.
هذه المتعة ومشاعر التفوق الناتجة عن إلحاق اللأذى وإجبار من نعتقد بأنهم أضعف منا على التصرف كما نريد يطلق عليها علميا اسم التنمر أو الـ Bullying.
ثقافة التنمر منتشرة في مجتمعنا بشكل كبير جداً، والأدهى والأمر أننا نمارس التنمر في حياتنا اليومية دون أن نعي، فلا أحد علمنا ما هو التنمر، لم تنتج عنه الرسائل التوعوية، لم يدرس لنا المفهوم بالمدارس (بل إن بعض المعلمين هم من يمارس التنمر على تلاميذهم!)، ولم يتناول كقضية بوسائل الإعلام والدراما والفنون، لذلك نجد التنمر مستشر بالمجتمع دون رادع، ونجده يأخذ صورا وأشكالا عديدة، بل نجده أحيانا يمارس “بحسن نية”.
أوضح صور التنمر المنتشرة لدينا وربما أكثرها انتشارا هي ما يطلق عليه اسم “الطنازة”، السخرية من أشكال الآخرين أو تصرفاتهم أو هويتهم أو طريقة كلامهم بشكل “مؤذ”، ونراها منتشرة بالمدارس والتجمعات الاجتماعية والإعلام وبالطبع على الإنترنت بشكل كبير جدا، وطبعا كل ذلك يتم تحت مسمى “الغشمرة” وخفة الدم أو “الميانه”، يعني مافيها شي لما الطفل يسخر من أخوه الصغير أو الأب يسخر من ابنه أو التلميذ من زميله، وعادي الممثل يسخر من لهجة الكومبارس اللي معاه أو أصله أو لونه أو وزنه… خو كوميديا مافيها شي! وعادي نسب البنت أو الولد اللي حاطين صورهم أو فيديواتهم بالانستاجرام وننعتهم بأبشع الأوصاف ونهددهم بعذاب جهنم… لأن هاذي حرية تعبير لنا… أو نهي عن منكر لهم… ومحد قالهم ينشرون صورهم حق الناس! صح؟
فقط لنتذكر بأن الله سبحانه وتعالى عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم فقط لأنه عبس في وجه الأعمى، مع أن الأعمى ما شاف هذا العبوس، لكن العتب كان لأن تجاهل كلام الآخرين قد يسبب لهم الضيق… فما بالك بإيذاءهم اللفظي أو حتى الجسدي؟
نرجع لموضوعنا الأوّلي ونقول بأن الكثير من حسابات الإنستاجرام تحولت لحسابات برايفت بسبب وقوعهم تحت طائلة التنمر، ومجموعة أكبر بكثير أنشئت بالأساس كحسابات برايفت فقط لأنها لا تود الدخول بعوار الرأس الناتج عن تنمر البشر ومضايقاتهم المحتملة، وهذا غير الأشخاص الذين لا يفكرون بإنشاء حسابات فقط لتجنب كلام الناس، فنجد الفتاة تقفل حسابها لكي لا تسمع من أحد كلمة “ليش حاطة هالصورة حق الناس؟” من أحد أقاربها… مع أن الصورة عادية جدا لمطعم زارته – مثلا – ولكن هذا الأخ أو الأخت يرون فيها انتهاك صارخ لخصوصية الفتاة… وبالتأكيد هم الأوصياء عليها ويعرفون مصلحتها أكثر منها (مع أنها قد تكون إمرأة أم عيال!)، أو نجد حتى الشاب يتجنب نشر بعض الصور لعامة الناس فقط لخشيته من “ضغاط” الأصدقاء له… مع أنه شاب طويل عريض شنبه يملأ وجهه!
نتيجة لذلك وبسبب تنمرنا المجتمعي وعدم إدراكنا حتى لمفهوم التنمر نجدنا نعيش بمجتمع منغلق متفكك ويعيش تحت مظلة من الإرهاب أو البارانويا من نظرات الآخرين وكلامهم ونواياهم، والناتج الأهم من هذا كله إني مو قاعد ألقى ناس أتابعهم بالانستاجرام… لأن نص الأكاونتات اللي أدخلها ألقاها… برايڤت!