ما هو خط الأفق؟
خط الأفق هو الخط “الوهمي” الذي يفصل السماء عن الأرض.
لماذا وهمي؟ لأنه بالحقيقة ليس هناك خط مرسوم يفصل الاثنين عن بعض ، فالأرض كروية الشكل و السماء تغطي سطحها من جميع الجوانب ، و لكن يتراءى لأعيننا عند النظر للأفق أو تصويره أو رسمه بأن هناك “خط” بينهما لأننا نحاول بهذه الحالة تحويل المنظر الذي أمامنا من طبيعته ثلاثية الأبعاد إلى منظر ثنائي الأبعاد يقتصر وجوده على الطول و العرض فقط.. بالتالي نضطر لتخيل ذلك الخط.
ما هي فائدة خط الأفق؟
الفائدة للناظر أو الملاحظ هي نفسية بالدرجة الأولى ، أولا.. الإنسان بطبيعته يميل إلى الاستقرار ، و لتحقيق الاستقرار نحتاج للتوازن ، و التوازن بشكل عام يعني أن لا نحس بأن هناك قوة خارجية تؤثر علينا و تدفعنا للحركة رغما عنا.. قوة كالجاذبية مثلا ، في العالم الطبيعي الذي تراه العين فإن العقل يستطيع أن يوازن و ينسق بين ما تراه العين و ما يحس به الجسم ، بالتالي حتى لو كنا نجلس بشكل مائل و ننظر للأفق فإن عقلنا سيحلل الإشارة التي يتلقاها من العين و يقارنها ببقية الإشارات الحسية المرسلة له من بقية أعضاء الجسم و يقوم بمعادلة الوضع الذهني لتحقيق الاستقرار المنشود ، لهذا السبب نستطيع بسهولة أن نقرأ كتابا أو نشاهد التلفزيون حتى لو لم نكن جالسين بشكل عامودي ، و لكن الأمر مختلف لو كان الكتاب أو التلفزيون مائلا… في هذه الحالة سنقوم لا إراديا بإمالة رأسنا بمحاولة للموافقة بين أفقنا و أفق ما نراه!
من هنا تبرز أهمية أن يكون “خط الأفق” بالصورة الفوتوغرافية… أفقيا ، فليس من الممتع -في الأحوال الطبيعية- أن نضطر لإمالة رؤوسنا عند النظر لصورة!
هناك فائدة جمالية أخرى لخط الأفق و هي أنه يضبط تكوين الصورة لتوزيع أوزان الصورة و تحقيق بعض القواعد الجمالية مثل قاعدة الأثلاث ، و لكننا لن نخوض بهذا الأمر في هذا الموضوع.
أين هو خط الأفق؟
By ..george
قد يكون هذا هو أهم و أصعب سؤال في الموضوع ، لو كنا ننظر لصورة ليس بها سوى عنصري البحر و السماء لكان الجواب سهلا ، لأنه ليس في البحر لا مرتفعات و لا منخفضات عامودية تؤثر على اتجاه خط الأفق… فأي ميلان به سيكون واضحا ، و لكن وجود أي عناصر عامودية تغطي الأفق سيؤثر على تقديرنا له.
مثال :
by Sarah’s Odyssey
قياس اتجاه خط الأفق الحقيقي في هذه الصورة هو أمر شبه مستحيل ! فخط التقاء السماء بالأرض لا يمكن رؤيته لأن الجبال تغطيه ، في هذه الحالة يجب أن نلجأ لتقدير الأفق ، يمكننا أن نستخدم عناصر مساعدة كأسطح المنازل على سبيل المثال كمرجع لنا.. و إن كانت هذه الطريقة ليست دائما الأفضل! فأحيانا تشوه الصورة (Distortion) الناتج عن عدسات الوايد آنجل قد يؤثر على ميلان تلك العناصر المساعدة ، و أحيانا قد تكون تلك العناصر المساعدة نفسها مائلة بالطبيعة و لا تصلح كمرجع لقياس الأفق ، لكن العامل النفسي يلعب دورا هنا ، فنفسيا نحب أن نفكر بأن تلك البيوت هي بالفعل أفقية.. و ليست مائلة.. بالتالي ضبط خط الأفق عليها يبدو أمرا طبيعيا.
في بعض الأحيان قد ينتج لدينا خط أفق مزدوج ، مثال :
By Kuw_Son
هل نقيس الأفق من خط التقاء البحر بالأرض؟ أم من التقاء السماء بالمباني؟
الأمور أصبحت أصعب قليلا 🙂
طريقة أخرى لقياس اتجاه خط الأفق في هذه الحالة هي عدم النظر لخط الأفق من الأساس ! بل النظر للخطوط العامودية.. خاصة بالقرب من منتصف الصورة ، في هذه الحالة لبرج التحرير ، لأن المنتصف يكون أقل تأثرا بالتشويه من الأطراف ، فإن كان العنصر العامودي عاموديا فأنت بالسليم ، يمكن استخدام ذلك حتى دون ازدواج الأفق… مثال :
by Moayad Hassan
في هذه الصورة لم يأخذ خط الأفق بالحسبان على الإطلاق ، بل تم الاعتماد على خط.. “العمد” 🙂
عقل الإنسان ليس آليا.. لحسن حظنا ، فليس دائما ما يحدث الاستقرار عند النظر لأفق تام الاستواء.. بل أحيانا يهمنا التركيز على ما هو “أهم” بالصورة ، ذلك “الأهم” هو عادة العنصر الأساسي فيها ، في هذه الحالة هو الشجرة و التي تبدو مستقرة بغض النظر عن الميلان الحاصل خلفها.
لنعقد المسائل أكثر قليلا و لننظر للأمور بتجريد أكبر :
By Moayad Hasan
أستطيع في هذه الصورة أن أحدد 4 خطوط أفقية على الأقل ، أضف لذلك التشويه الذي لم يترك لنا خطا عموديا واحدا نستطيع الاعتماد عليه ! فما العمل؟
نستطيع ببساطة أن نختار أي خط أفقي تقريبا كمرجع لنا و لن تتأثر الصورة ، فالأمر ليس هندسة أو كيمياء … بل فن ، إحدى التكنيكات الفنية التي يمكن اللجوء لها في هذه الحالة هي التجريد ، لا تنظر للصورة على أنها صورة لسماء و مبان و شاطئ و رصيف و طفل… بل انظر لها على أنها مساحات لونية مسطحة ، في هذه الحالة علينا أن نوزع العناصر على هيئة “كتل” بحيث نحصل على أفضل “اتزان” بغض النظر عن اتجاه خط الأفق التقليدي ، يعني تقريبا مثل التخيل التالي :
التجريد هو موضوع طويل و يحتاج لعدة دروس مفصلة ، و لكن من أبسط الطرق لتجريد ما نراه من مناظر -طبيعية كانت أم مصورة- هي “تبربش” العين (الله يذكرك بالخير يا أستاذ عبدالحميد الرباح 🙂 ) ، فعندما نهمل التفاصيل غير الضرورية سنتمكن من التركيز على المساحات الكلية ، أو يمكننا مشاهدة الصورة بحجم صغير (Thumbnail) للحصول على تأثير مشابه.
في الصورة أعلاه نجد بأن خط الأفق -وفقا لمبدأ توزيع الكتل- هو خط التقاء المساحة المضيئة من السماء مع كتلة الغيوم… تقريبا !
المسألة بالنهاية هي مسألة موازنة بين عوامل طبيعية (الأفق الحقيقي) و نفسية (عامل الاستقرار) و تقنية/هندسية (الأفق العامودي) و فنية (التكوين المجرد) ، فهم عملية الموازنة تلك هي أساس الحصول على الأفق المثالي و تذوقه.
الآن.. هل مازالت جملة “الأفق مايل عندك” أسهل التعليقات النقدية؟
🙂