أرشيف الوسم: كويت

الصورة الكبيرة

لتحميل التدوينة الصوتية


من السهل أن ننجرف وراء الزخم الإعلامي المشحون بالمشاعر والعواطف التي لا نملك إلا أن نكون من المتأثرين بها لكونها تلامس أهم أملاكنا الوجدانية… وهي مبادئنا ومعتقداتنا. فنحن نتأثر بشدة -في غالبيتنا- عندما نسمع أو نقرأ أو نشاهد ما يقدم لنا على أنه حديث عقائدي أو وطني أو عاطفي وذلك حسب ميولنا وحسب ما نشأنا عليه من أفكار.نحن في الكويت مثلا لدينا حس وطني عال قد نستغرب عندما نكتشف بأنه غير موجود لدى شعوب أخرى، ففي بريطانيا مثلا لا تشاهد العلم البريطاني مرفرفا إلا فوق المباني الرسمية… كمراكز الإطفاء مثلا، ولا يتشجع الإنجليز لرفع أعلامهم إلا وقت كأس العالم… ونحن نتحدث هنا عن العلم الإنجليزي وليس البريطاني! من المناظر النادرة التي شهدتها مؤخرا في بريطانيا هي انتشار العلم البريطاني في لندن تحديدا خلال أيام معدودة أثناء الاحتفالات بزواج الأمير ويليام. من ناحية أخرى فإن هناك بعضا من البريطانيين يمقتون ذلك العلم لكونه رمزا للاستعمار والتسلط، ليس معنى ذلك أن البريطاني يكره وطنه! ولكن ما أقصده هنا هو أن تقدير البريطاني للشعور “الوطني” يختلف عن تقديرنا نحن.

الكويتي من ناحية أخرى متشبع بما يطلق عليه اسم “الوطنية” ومتخم بها، فالكويتي على سبيل المثال قد يصعب عليه تقبل فكرة أن يترك وطنه ويهاجر للعيش في وطن آخر (وإن كان هذا الأمر عرضة للتغير في ظل الظروف المعاصرة… وذلك موضوع آخر) لكونه نشأ على فكر قومي يعتبر البعد عن الوطن نوع من الخيانة له لأن خيرنا يجب أن يبقى في ديرتنا و”دهننا في مكبّتنا”، وثانيا لأنه عاش في ظل رخاء يحسده عليه الكثيرون إنطلاقا من مبدأ ديرتنا التي “فيها اللي نبي”، وأضف لذك سلسلة طويلة من الأغاني والمقولات التي نشأ عليها الكويتي كـ”عمار يا كويتنا”… “كلنا للكويت”… “وطن النهار” و”وطني حبيبي”، بينما لو بحثت في الأغاني الوطنية البريطانية لما وجدت أيا منها منذ أيام الحرب العالمية الثانية، شخصيا لا أعرف من الأغاني الوطنية البريطانية سوى نشيدة “ليحفظ الله الملكة“… بالأضافة للأغنية التي انتشرت أيام كأس العالم الأخير طبعا.

يتعزز هذا الحس الوطني العالي لدينا لأسباب عديدة أبرزها هو حداثة شعور الانتماء الوطني لدينا، فعمر كيان مثل الكويت يعتبر صغيرا نسبيا ولا يتعدى بضع مئات من السنين عاش أهل المنطقة قبلها متنقلين إما بحريا أو صحراويا، لذلك فمبدأ الإستقرار لديهم حديث النشأة إذا ما قورن بالمناطق ذات التاريخ الحضاري الراسخ، واهتزاز ذلك المبدأ “الوطني” في عقلياتهم يسبب لهم نوعا من “القلق الحضاري“. أضف لذلك حالة الكويت الخاصة بسبب موقعها الجغرافي وتاريخ نشأتها والتهديد خارجي الدائم الذي يهدد وجودها. لتلك الأسباب نجدنا مندفعين في التركيز على وطنيتنا ومحاولة زراعتها في صلب ثقافتنا. كمثال على حالة “القلق الحضاري” لدينا نلاحظ التركيز على استخدامنا للفظة “دولة” قبل ذكر اسم “الكويت” في المحافل الرسمية، كقول “تلفزيون دولة الكويت” أو “إذاعة دولة الكويت” الأمر الذي تم استحداثه بعد التحرير من الغزو العراقي مباشرة… وذلك على خلاف جملة “هنا الكويت” التي ظل يشتهر بها البث الإذاعي الكويتي لعقود طويلة.

والسؤال الذي يطرح الآن… ما المشكلة في كوننا وطنيين؟
شفيها يعني؟ أليست الوطنية شيء زين؟!

بالتأكيد، “الوطنية” تعتبر واحدة من القيم الجيدة، فهي دافع للعطاء والتضحية في سبيل غاية أكبر (رغم أنها ليست القيمة الوحيدة أو الأهم… ولا يجب أن تكون)، ولكن إن حدثت مبالغة في تقدير تلك القيمة الوطنية فإنها ستتحول إلى طاقة هدامة!

 

كيف تنقلب الوطنية علينا؟

الفكر الوطني بحد ذاته هو فكر إيجابي ويأتي بدافع الحب والعاطفة تجاه الوطن… لا خلاف على ذلك، ولكن كيف ومتى تتحول الوطنية إلى قيمة سلبية؟

تبدأ الوطنية بالتحول للسلبية عندما تنتقل روح هذا الشعور النبيل إلى إحساس بالتفوق على الآخر [1. الآخر: هو من مصطلحات النظرية الاستشراقية ويعني الشعب أو الفئة أو العرق المختلف عن ما ننتمي إليه] ، وهذا “الآخر” قد يكون جنسية أخرى أو مذهب آخر أو طبقة اجتماعية أو عرق أو حزب أو قبيلة غير التي ننتمي إليها، في هذه الحالة فإن مبدأ الوطنية سيتحول إلى مبدأ آخر… وهو “القومية”.

ما الفرق بين الوطنية و القومية؟

تشترك الوطنية (Patriotism) و القومية (Nationalism) في كونهما مبدأين يدعوان إلى أن يربط الحب الأفراد بوطنهم، أما الفرق بينهما -باختصار شديد- فهو أن القومية تتجاوز الوطنية لتسعى إلى توحيد صفوف الأفراد ذوي العرق أو اللغة أو التاريخ المشترك وذلك بهدف تحقيق مصلحتهم وغرض تفوقهم على الغير، والخط الفاصل بين المصطلحين كما نرى دقيق… ولكن أثر هذه الاختلاف كبير وخطير !

يكفي القول أن من أخطر منتجات الفكر القومي هي فكرة العنصرية والتفوق العرقي، وهذه الفكرة كانت أساس حزب العمال “القومي” الاشتراكي الألماني… والمعروف أيضاً باسم الحزب النازي!!

هل معنى ذلك أننا سنتحول إلى نازيين؟!

إننا لسنا بانتظار أن نتحول إلى نازيين وعنصريين… لأن العنصرية أصبحت جزءا منا ومن ثقافتنا بالفعل دون أن نشعر، فنحن أصبحنا نمارسها بشكل يومي مع تقبلنا لها بكل حسن نية!

لست أبالغ في رؤيتي هذه فالناتج الثقافي للقومية الكويتية أصبح شيئا دارجا وملحوظا في لغتنا المستخدمة. ضع في حسابك أن تلك القومية الكويتية ليست وليدة يوم وليلة بل هي نتاج تراكمات ثقافية على مر العقود، قد تكون بدأت خلال فترة الرخاء الاقتصادي في الخمسينات والستينات من القرن العشرين واستمرت إلى يومنا هذا [1. يمكنك الرجوع لموضوع “ثقافة السور في العقلية الكويتية” لمزيد من التفاصيل]، لكن يجب الأخذ بالحسبان أيضا بأنني لا أعتقد بأن العامل الاقتصادي هو العامل الوحيد الذي أدى إلى ظهور واستمرار تلك القومية الكويتية، فتلك القومية أصبحت جزءا أصيلا من النسيج “الثقافي” الكويتي ولا يمكن عزلها دون الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بها… الكلام قد يبدو معقدا لكن يمكن تبسيطه.

من الزلمات إلى الطراثيث

تعتبر اللغة واحدة من أهم الدلائل الثقافية لفكر المجتمع، لذلك قيل “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”، لأن اللغة وخباياها يمكنها أن تخرج لنا الكثير من خبايا أي شعب من الشعوب. لدراسة تأثير القومية الكويتية يمكننا الرجوع لتحليل المطلحات اللغوية الدارجة في وصف “الآخر”. في المجتمعات المتمدنة هناك حذر كبير -على الأقل عند التعامل الإعلامي- عند وصف الأقليات أو الثقافات الأخرى، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يعتبر اليوم من المحرمات استخدام لفظ “الأسود” في وصف سمر البشرة… لذلك يتم استبدالها بلفظة “الأمريكي الأفريقي”، كذلك الأمر مع “الزنجي” أو “الأحمر” والتي تم استبدالها بلفظة “الأمريكي الأصلي”… و هلم جرا.

نحن بالكويت لا نتوانى ولا نتحرج من وصف أسمر البشرة بلفظ “الخال” أو حتى “العبد“، ليس فقط باللغة الدارجة.. بل حتى إعلاميا ومن خلال الدراما التلفزيونية أو المسرحية، والمسألة ليست مسألة لفظة لغوية وحسب… فاللغة ليست سوى انعكاس لحالة المجتمع الذي ينظر لذلك “الخال” على أنه شخص “مختلف” على أقل تقدير!

قس على ذلك سلسلة المصطلحات والمسميات العرقية والطائفية ابتداء من “الزلمات“، المصاروة“، “الكواولة“، “العجم (العيم)”، “القيز“، “الجنقل“.. وانتهاء بـ”المزدوجين” و”الطراثيث” وحتى “الماك تشيكن“!

قد يقول قائل بأن ما تلك إلا مجرد دعابات ومادة “للنكت” البريئة! وذلك حتى لو كان صحيحا (وهو غير صحيح برأيي وفي كثير من الأحيان يتجاوز مجرد الدعابة) فإن ذلك لا ينفي كونها مصطلحات طائفية وعنصرية في جوهرها. فالنكتة التي تصور المطيري النذل أو الحساوي البخيل أو العازمي أو الهندي أو الصعيدي الغبي هي بالأساس انعكاس لنظرة “تعميمية” أو “صورة نمطية” للخلفية الثقافية للموصوف سواء قيلت بحسن نية أم لا، فالنكتة بحد ذاتها في جوهرها رسالة اجتماعية وانعكاس لحالة المجتمع وليست لفظا اعتباطيا دون أصل، وهي تعتبر مثالا اوردته هنا لأبين كيف أن اللغة -وهي أحد مكونات الثقافة- قد تشربت لدينا في الكويت بالمصطلحات العنصرية… وهي بذلك دليل على عنصريتنا اللاواعية.

لكن وطنيتنا تدعو إلى توحدنا.. فهي الحل

مرة أخرى أعيد التأكيد علي أني لا اقصد بأن الوطنية بحد ذاتها هي شيء سيء أو مدمر ويقود للنازية بشكل مباشر، لكن ما اقصده هو أن التعامل مع الوطنية يجب أن يتم بحذر وتعقل لا بـعاطفية وحماس… على الأقل ليس دائماً.

هناك مقولة بأن “القومية قبل الاستقلال هي شيء جيد… بعد الاستقلال شيء سيء!“، فالوطنية أو القومية بين أفراد شعب ما تألف بين الصفوف وتوحد الأفراد ذوي العرق أو اللغة أو التاريخ المشترك في وجه أي تهديد خارجي، لكن استمرار فرض نفس النظام الوحدوي بعد الاستقلال جاء بنتائج وخيمة تاريخيا في مختلف بقاع العالم الثالث… وما تلك النتائج عنا ببعيد إذا ما تأملنا ما جرته القومية العربية علينا من دمار وتخلف وحروب وانقلابات منذ فترة الاستقلال وحتى اليوم.

الشماعة

انتشر بعد تحرير الكويت بفترة قصيرة مصطلح “شماعة الغزو“، ويقصد بهذا المصطلح إرجاع أي خلل حاصل في البلد لسبب جاهز… وهو الغزو العراقي لدولة الكويت، والحديث هنا عن أي خلل… سواء كان ماديا كخراب المنشآت أو تردي حال الخدمات أو معنويا كانتشار العنف أو ارتفاع معدل الطلاق أو حتى انتشار “الجنوس”! أسهل جواب في مادة الاجتماعيات أو التربية الاسلامية لسؤال “علل” لمشكلة ما كان أمران: “الغزو العراقي الغاشم” و”ضعف الوازع الديني”! تجسد الغزو على شكل “شماعة” كان أمرا طبيعيا في البداية لأن حدثا جليلا كالغزو أحدث تغييرا في المعايير التي نقيس بها أمورنا الاجتماعية والسياسية، أصبح هاجس الغزو ذو تأثير يقترب من تأثير الدين ذاته من حيث القوة!

يمكنني القول بأنه بعد عشرين عاما من الغزو العراقي لدولة الكويت مازالت تلك الشماعة مغروسة بالجدار الكويتي ليتم الإشارة لها أو حتى التهديد بها من حين لآخر كلما دعت الحاجة، قد يكون حمل الثقل المعلق بتلك الشماعة قل… لكن ما حملته تلك الشماعة لا ينفك التذكير به بالخطاب الإعلامي الرسمي والشعبي، ويتضاعف التأثير “الشمّاعي” عند مزجه بالقضية “الوطنية” التي تحدثنا عنها أعلاه ليتشكل من اختلاطهما محلول مركز من “المخدر الثقافي”!

المخدر الثقافي

قد يكون كل ما سبق تمهيدا لما سيأتي من كلام، لكنه تمهيد ضروري جدا لتتضح لنا الصورة الكبيرة لوضع الكويت الثقافي والسياسي.

ما هي أشهر أنواع اللحمة في الكويت؟ اللحمة العربية؟ الاسترالية؟ المشوية؟ المفرومة؟! ولا واحدة منهم، أشهر لحمة لدينا سمعة هي اللحمة الوطنية 🙂 ! لا يكاد يخلو أي خطاب سياسي -رسميا كان أم شعبيا- من ذكر اللحمة الوطنية والتكاتف الاجتماعي ووحدة الصف، نسمع هذه المصطلحات بشكل يومي من قياداتنا السياسية ومن نوابنا ونشطائنا السياسيين… ومؤخرا لا تمر ساعة على التايم لاين في تويتر دون أن نقرأ تويتة تحتوي على إحدى هذه المصطلحات! الكل لدينا أصبح “وطنيا” وحريصا على “مصلحة الوطن” وبالتأكيد… على “لحمتنا” الوطنية. والنقطة التالية لذكر اللحمة؟ هي طبعا التذكير بتكاتفنا في وجه المحن التي ألمت بنا والتي -طبعا- أشدها كانت محنة الغزو الغاشم وكيف وقف الجميع سني وشيعي وبدوي وحضري صفا واحدة في مواجهة المصاعب ولم يستطع المعتدي تفريق ذاك الجمع. بعد ذلك يتم التلويح بما يحيط بنا من أخطار وبالأزمات المتكررة التي تعج بها المنطقة وكيف أن “لحمتنا” هي السد المنيع والحصن الحصين ضد هذه الأخطار والأزمات، كم مرة سمعنا هذا الخطاب خلال العشر سنوات الماضية؟

شفيها لحمتنا الوطنية؟ ما فيها شي… أشهى من اللحمة البتللو 🙂 ، ليس هناك أدنى شك بأن اللحمة الوطنية هي المكون الأساسي لجميع وصفات الاستقرار السياسي والاجتماعي، لكن التركيز على فكرة اللحمة بالشكل الحاصل يؤدي إلى أمران خطيران:

أولا، أنا متأكد بأن نية من يطرح فكرة اللحمة الوطنية صافية وليس له من ورائها أي مآرب خفية، ولكن أدبيات من يقوم بطرح هذه الأفكار تتميز غالبيتها العظمى بضعف الأسلوب والافتقار للأسس الإعلامية العلمية الصحيحة. تكرار ذات المصطلحات والعبارات والأفكار مرة تلو أخرى لا يؤدي بالضرورة لترسيخ الفكرة… بل قد يأتي ذلك التكرار بنتائج عكسية! ترديدنا لعبارات الوحدة والتآلف ونبذ الطائفية والقبلية و”بدو وحضر سنة وشيعة كلنا كويتيين” تزرع في عقلنا الباطن فكرة أن هناك “كارثة” واقعة وحقيقية… وتظل تنفخ في هذه الكارثة داخل رؤوسنا دون أن ندري حتى نبدأ بتصديق وجود تلك الكارثة. تصديق وجود الكارثة يؤدي إلى تهيئة الجو وإيجاد البيئة المناسبة لها، هي عملية “جذب” كما يقول أهل التنمية الذاتية، إن استمريت بالتفكير بمشكلة غير موجودة فإنك تقوم بجذبها لك حتى تصل لك بطريقة أو بأخرى، أو كما يقول المثل “اللي يخاف من العفريت يطلعله”!

الكلام هنا ليس سحرا ولا خزعبلات، بل إن أساسه هو نظريات علمية اختبرها علماء النفس والاجتماع وتيقنوا من صحتها. فعلى أرض الواقع فإن من يستمر بالتفكير “بالمصلحة الوطنية” فإنه لا إراديا سيبدأ بالبحث عن من يظن بأنهم “أعداء” الوطن! فكيف أكون وطنيا أذود عن مصلحة الوطن دون أن أعرف من هو “المُذاد” منه؟! وجود خطر خارجي يهون المسألة، لذلك نرى الولايات المتحدة مثلا لا تستطيع العيش دون عدو خارجي… النازية تارة والشيوعية تارة والإرهاب تارة آخرى، لكن الخطر الخارجي ليس موجودا دائما… لهذا السبب الإثارة القومية بعد الاستقلال شيء سيء كما ذكرنا.

“أنت وطني وحريص على وحدة الصف”… هكذا وبهذا الاسلوب يتم توجيه الخطاب الإعلامي لي، تمام؟ ألحين… ما دمت أنا وطني… فلابد من أن على هذه الأرض من هو “أقل مني وطنية”… “ولا ليش قاعدين يقولون لي إني لازم أكون وطني؟ معناته في ناس غيري مو وطنيين! لو كنا كلنا وطنيين جان ما وجهو لنا هذا الخطاب… صح ولا لأ؟! في ناس شياطين قاعدين يعيثون فسادا بالبلد! قد يكونون خونة أو مصلحجية أو سراق للمال العام أو “قبيضة” أو “مؤزمين”… قد يكونون نوابا أو تجارا أو عساكر أو حتى رئيس مجلس الوزراء ذاته!”.

لا تلام إن كنت فكرت بنفس الأسلوب المذكور بالفقرة السابقة! هذه هي إحدى الطرق التي يعمل بها عقل الإنسان… وهي إحدى تفسيرات ما يطلق عليه اسم قانون الجذب. تبدأ لا إراديا بتحليل الخطاب الذي وجه لك وكأنه تحذير لك بوجود مشكلة، بعد ذلك تبدأ بالبحث عن أسباب تلك المشكلة، ثم تنتقل لعملية “التأشير” على مسببي المشكلة! فلان وفلان وفلان هم من يثيرون الفتن بالبلاد! الجماعة الفلانية هي بؤرة الفساد! إنهم المتشددون… إنهم العلمانييون… إنهم الانبطاحييون… إنهم الطائفيون… إنهم… إنهم… إنهم… ! فليرحل فلان! فلتسقط الحكومة! حلّو المجلس! غيرو الدستور!! إلا الدستور!!! أنا مو وطني؟ أنا مو حريص على مصلحة الوطن؟ ما أحب الكويت؟ أنا لم أمقت فلان ولم أحارب جماعته إلا لأني أحب الكويت!… ومنهو مثل الكويت؟!

وهنا ننتقل للسبب الثاني لخطورة التركيز على فكرة اللحمة الوطنية، فكما قلنا أولا أن تكرار الفكرة دون دراسة وفهم قد يؤدي لإثارة عكسية لها، ثانيا، فإن التركيز على اللحمة الوطنية (أو الوطنية بشكل عام) يظهرها بمظهر الحل السحري لجميع مشاكلنا… وهذا أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة!

نرجع هنا لمبدأ الشماعة، فكما كنا في فترة بعد الغزو نعلق جميع مشاكلنا على شماعته أصبحنا اليوم نعلقها على شماعة الوطنية… والوطنية من مشاكلنا براء، أطغى الطغاة كانو يتشدقون بالوطنية ومصلحة الوطن… وإن نظرنا للأمور من وجهة نظرهم فإنهم محقون! كما يقول نزار قباني في السيرة الذاتية لسيّاف عربي:

أيها الناس:

أنا الأول والأعدل،
والأجمل بين جميع الحاكمين
وأنا بدر الدجى، وبياض الياسمين
وأنا مخترع المشنقة الأولى، وخير المرسلين…

كلما فكرت أن أعتزل السلطة، ينهاني ضميري
من ترى يحكم بعدى هؤلاء الطيبين؟
من سيشفى بعدى الأعرج، والأبرص، والأعمى…
ومن يحيي عظام الميّتين؟
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟
من ترى يرسل للناس المطر؟
من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟
من ترى يصلبهم فوق الشجر؟
من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟
ويموتوا كالبقر

كلما فكرت أن أتركهم
فاضت دموعي كغمامة..
وتوكلت على الله
وقررت أن أركب الشعب…
من الآن… إلى يوم القيامة…

وعليّه! مسكين… وايد يحب هالوطن ويحرص على مصلحة أولائك الطيبين 🙁 ، وعلى فكرة… إن كنت تفكر بجلد جماعة التأزيم السياسي أو صلب جماعة سراق المال العام فحالك لا يختلف كثيرا عن حال هذا السياف العربي! هو وطني وأنت وطني… كلاكما تؤمنان بأن الوطنية الحقة تحتم عليكما اتخاذ “إجراء” تجاه ذلك الآخر، تلك هي الفكرة السحرية التي تزرعها ما يطلق عليها اسم “الوطنية” في رؤسنا دون أن ندري. تلك هي “الوطنية” التي نسمعها في إعلامنا وخطاباتنا ونغني لها وننشد لها الأشعار، تلك هي وطنية “اللحمة” ووحدة الصف، هي نفس الوطنية التي اعتبرها الحكام المخلوعون ملهمتهم للبقاء بالسلطة.

التعرض المستمر للرذاذ الوطني سبب لنا حساسية مفرطة تجاه كل ما نظن بأنه ضد “المصلحة العامة”، النتيجة هي أننا جميعنا أصبحنا ساسة نبحث عن تلك المصلحة، وأصبح انجرافنا السياسي سهلا عند التعرض لأي مثير لتلك الحساسية. الأمر ليس له علاقة بكوننا عرب أو “حارّين”، وليس له علاقة بالتدخلات الخارجية أو المؤامرات التي تحاك ضدنا، بل السبب هو أننا ضيقنا الخناق على ثقافتنا. كل منا جلس في مكانه وأخذ يفكر في وطنه حبيبه… وطنه الغالي… وطن النهار، يفكر في دانته… حياته ودنيته ، يفكر في أحلى بلد… أغلى بلد، يتغنى بحريته وديموقراطيته وحكمة حكامه، وربما يتحسر على ماضيه الجميل الزاهر، ومرة أخرى يتسائل بينه وبين نفسه… منهو مثل الكويت؟

تخيل معي الوضع: كل منا صور للكويت صورة جميلة من منظوره و برؤيته… لكنه ظل ينظر لتلك الصورة الجميلة وهو جالس في مكانه. الشخص الجالس بمقربة منه قام برسم صورة أخرى لحبيبته الكويت ولكن من زاوية أخرى وبألوان مختلفة. عندما التفت أحدهم لصورة الآخر لاحظ اختلافها عن صورته… فتذكر “اللحمة”… فثارت ثائرته! أصبح الإثنان لا يريان إلا مدى قبح صورة الآخر وعدم تماشيها مع صورته، أخذ الإثنان يتهمان بعضهما بالأنانية والحقد بل وحتى العمالة أو التأثر بمن هم ليسو منا وفينا. اختلف الإثنان مع شخص ثالث ورابع وخامس صوروا للكويت صورا جميلة بألوانهم ومن زواياهم، اختلفوا من يحب الكويت أكثر! ومن صور للكويت صورة أجمل، ما لم يدركه الجميع هو أنهم لو أخذوا خطوات قليلة للوراء ونظروا للصورة الكبيرة التي قاموا معا بتشكيلها لوجدوا بأنها أجمل وأزهى وأكبر وأعظم من عمل كل فرد منهم بمفرده!

مشكلتهم الأساسية هي أنهم فهموا اللحمة الوطنية بشكل حرفي كما صورتها لهم الأشعار والغناوي والشعارات الإعلامية والسياسية… وطن واحد وشعب واحد… الكل فيه سواسية لا يتفرقون حتى بأحلك الظروف! لم يدركوا بأن كونهم سواسية لا يعني كونهم متشابهين شكلا ولونا ومنظورا وذوقا.

مشكلة إعلامنا وخطابنا السياسي هو أنه كون لدينا ثقافة ضيقة الأفق… بحسن نية ربما. حاول تحفيزنا على أن نتجاذب عن طريق رشنا بمثيرات الوطنية، ولكنه لم يدرك بأن ذلك مستحيل! فبدلا من أن نتجمع كلنا في كتلة واحدة (كما كان يتصور) تكلكعنا على شكل بقع هلامية تتلاصق حينا ولا تلبث أن تنفصل وتصطدم بغيرها بحركة عشوائية، وهذا هو واقعنا الحالي، بقع هلامية! فهل رش المزيد من المحفزات الوطنية سينفع؟ ليس ذلك حلا… الحل ليس بتحفيز التجاذب بل باحترام التنافر!

 

ليس حلا أن يجلس الجميع في بقعة واحدة لينظروا للوطن من زاوية واحدة ويصورنه بألوان موحدة… مستحيل! هذا هو ما حاول أن يفعله هتلر وحزبه القومي!! بل المعقول هو أن يدرك كل واحد منا بأنه مختلف عن الآخر. فكرة أننا جميعنا كويتيون وما عندنا بدو وحضر وسنة وشيعة هي فكرة خاطئة خاطئة خاطئة!! لدينا طوائف… ولدينا قبائل… ولدينا جماعات وملل وتوجهات وكتل…. ولدينا أحزاب (و إن كنا ما نزال نخاف من هذه الكلمة)! ما المشكلة في تقبل ذلك؟! هذه هي تركيبة مجتمعنا… وكلما أسرعنا في تقبل الشتات في هذه التركيبة وتوقفنا عن محاولة لملمتها “تحت لواء اللحمة” كلما كان أفضل.

لنتوقف عن الغناء عن اللحمة… بل لم لا نتوقف عن الغناء للوطن! أقسم بأن الوطن لو نطق لما طلب من أحد قط أي يغني عنه وعن حبه. “إهيا ديرتنا وفيها اللي نبي”… مصيبة هذه الأغنية لكثر ما أخطأنا في تفسيرنا لها! “يا وطن ياللي انولدت من جديد” كانت بمحلها قبل عشرون عاما… أما اليوم فلا معنى لها! “ياللي تحب الكويت لا تقطع الآمال”… ليش تفاول علي؟ “كانت مدينتنا ذهب”… و ستبقى دائما يا كئيب! وغيرها الآلاف من الأغاني “الوطنية” التي كل يظن بأنها موجهة له وحده والتي لا تؤدي إلا إلى زيادة “تكلكع” الشعب، وغيرها التي تزرع بعقولنا صورة كوننا شعب الله المختار المفضل على جميع شعوب العالمين. التلفزيون الرسمي ليس لديه أسهل من أن يملأ ساعات بثه بالأغاني الوطنية وكأنه يحاول تخدير الناس، والمصيبة الكبرى بأن تلفزيون “المعارضة” يبث نفس الأغاني لكي يوحد الناس ضد الفساد والمفسدين، اجتمع الطرفان بالأسلوب واختلفوا بالغايات… والكل بالنهاية لا يملك إلا حسن النية… الأمر الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فما فائدة النوايا إن كان أسلوب العمل خاطئ ومتخلف وغير مدروس؟

بدلا من الغناء للوطن لنغن للعمل ولنغن لحب بعضنا… كل بلحنه وطريقته ولهجته… أو حتى بصَمته إن أراد. لا أقول لنضع العاطفة الوطنية جانبا… بل أقول لنضعها في مكانها… في الأعياد الوطنية وقبل مباريات كرة القدم… بس، أما خطابنا السياسي يجب أن يكون عقلانيا ومنطقيا ومطروحا بلغة الأرقام. على ساستنا ومكائنهم الإعلامية أن تحترم عقل هذا الشعب وتقدم له حلولا يدركها بذلك العقل لا بقلبه. نعم هناك فساد ومفسدون… لا نحتاج لمن يخرج علينا ليسب ويلعن فيهم ويخرجهم من ملة الوطن… بل نحتاج لمن يرسم لنا خطة من عدة مراحل توضح لنا كيف يمكن القضاء على هذا الفساد، نحتاج كذلك لشباب يدرك بأن المطلوب هو الحلول… لا التذكير بالمشاكل.

يؤلمني بحق ويوجع قلبي عندما أرى هذه الطاقة الشبابية في الساحات والتجمعات وحتى المدونات وعلى تويتر لا هم لها سوى ترديد نفس كلام الساسة ونفس ما يسمعونه في وسائل الإعلام!! حرام عليكم! لا ألومكم يا شباب… فقد عشتم سنين طويلة مخدرين ثقافيا، لا مدارسكم علمتكم أسس الإبداع ولا مجتمعكم احترم قدراتكم الخلاقة، وها أنتم أصبحتم كأجهزة التسجيل… بعد أن كانت تسمع كلام المعلم أصبحت تسمع كلام الساسة والإعلام وتعيد “تسميعه”. تنتظرون نشرة أخبار التاسعة لتعملوا “رتويت” لأهم ما جاء بها من أنباء، أين شخصياتكم؟ أين ثقافتكم؟ أين فنونكم وإبداعاتكم؟ هل من أبداع في ترديد كلام الساسة كصيحات في الساحات والتجمعات؟ ألا يذكركم ذلك بترديد القصيدة وراء الأبلة/الأستاذ؟ هل من إبداع في تلوين “الأفتار” بلون معين خلال ساعة معينة؟ ألا يذكركم ذلك بموضوع الرسم الشهير “ارسم اللي سويته بالعطلة”؟ هكذا بنيت ثقافتكم للأسف… وهكذا أصبحتم!

المطلوب من الشباب اليوم هو أن يكونوا هم القادة الحقيقيين، هم من يحاسب المقصرين ويقف في وجوههم، هم من لديهم الوعي والإدراك الكافي الذي يؤهلهم لأن يقرأوا ويحللوا وينقدوا ما يوجه لهم من رسائل. عندما يبدأ مهرجان خطابي بأغنية عليهم المطالبة بإيقافها… فنحن أتينا لنسمع حلولا لا أغاني… إذا بنسمع أغاني وطنية عندنا يوتيوب! عندما يتكلم الخطيب عن اللحمة الوطنية عليهم أن يوقفوه ويطالبوه بشرح خطته العملية لحل المشكلة! لا تسمح لأحد أن يزايد على وطنيتك… ولا تسمح لنفسك بأن تزايد على وطنية غيرك، كلكم وطنيين وتحبون أرضكم… ومجرد تفكيرك بأنك أفضل من غيرك عرقا أو فكرا أو توجها سيجعل منك “قوميا” عنصريا بغيضا… مثل هتلر، فهل ترضى بأن تكون هتلرا صغيرا جديدا؟ ثقف نفسك، اقرأ ما يفيدك… لنفسك لا لكي تشعر الآخرين بتفوقك الثقافي عليهم. إن كنت ستعتمد على ما علموك إياه بالمدرسة أو الكلية أو الندوة أو حلقات العلم… فلا بالله رحنا وطي! هذا الموضوع وما فيه من معلومات ما هي إلا أطراف خيوط لمعلومات بسيطة ولكنها هامة جدا وستساعدك على إدراك ما يجري حولك… والإدراك هو أول الخطوات نحو التغيير… والمستقبل بيدك، اتعب على نفسك وركز وانتبه لما هو حولك، كن قائدا واعيا ولا تكن إمعة يحركها الآخرون، والله يعينك و يعيننا.

القوى الرجعية تخطط.. و القوى العمياء تنفذ

تاريخ الصورة التي على اليسار يعود لعام ١٩٧١ وهي عبارة عن غلاف مجلة الاتحاد الصادرة عن الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، صورة الغلاف هي لأحداث ندوة الاختلاط الشهيرة والتي قامت إحدى الجماعات باقتحامها وتخريبها، تفاصيل هذه الندوة موجودة في كتاب معركة الاختلاط في الكويت للدكتور محمد جواد رضا لمن أراد الاطلاع عليها، أما الصورة التي على اليمين هي من أحداث البارحة ٢٠١١/١١/١٦ و تظهر زاوية من جموع المقتحمين لمبنى مجلس الأمة.

أهداف الاقتحامين مختلفة تماما ومنظميها مختلفون كليا والفارق الزمني بينهما يصل إلى أربعين عاما، لسنا نقارن بين الاقتحامين… ولكن يحق لنا أن نتبصر بمدى التشابه بينهما خاصة عند أخذ مانشيت مجلة الاتحاد بالاعتبار!

—-
مصادر:

١
٢
٣

انتفاضة الكويت ضد مزودي خدمات الإنترنت !

شعار الحملة

 

بعد سنين طويلة من الصبر (أو ربما النوم!) بدأ مستخدمو الإنترنت بالكويت بالتحرك ضد رؤوس الاحتكار والاستغلال في الشركات المزودة لخدمات الإنترنت في الكويت، لسنين طويلة تعايش الكويتيون مع أسعار الإنترنت الخيالية وسرعاتها الكئيبة وتعطلها اللامنتهي وخدمة عملائها المعدومة، أضف لذلك التلاعب على المستخدمين من خلال ما يسمى بالـ”عروض” التسويقية والأرقام التي هي على الورق شيء وعلى أرض الواقع شيء آخر. بعد هذه السنين الطويلة من المعاناة صحى الشعب صحوة نتمنى أن تستمر حتى تتحقق جميع مطالبها وتسترجع كافة الحقوق المسلوبة.

بدأت هذه الصحوة بعد معرض إنفو كونكت السابق (2011) عندما اتفق جميع مزودي خدمات الإنترت في الكويت على رفع أسعار الإشتراكات دون أي مبرر! شكل الأمر صدمة للجميع، ففي حين أن الأمر الطبيعي هو أن تتنافس هذه الشركات على تقديم أفضل الخدمات وبأقل الأسعار حتى تجذب الزبائن نجدها قد تآمرت فيما بينها واتفقت على طريقة عصابات المافيا على أن تضرب المستخدم ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بينها فلا يستطيع أن يلجأ لأحدها فرارا من الأخرى…. يعني بالضبط مثل خطة إبليس التي أهداها لزعماء قريش 😈 !!

شخصيا توقعت أن يتحرك المستخدمون الكويتيون جديا بعد هذه الحركة القذرة (عفوا… ولكن لم أجد كلمة أنسب منها لوصف الموقف)، لكن للأسف لم يحدث شيء يذكر في حينها، ربما كانت منحة الألف دينار ما تزال تدفئ جيوبهم في حينها!

ولكن ما حدث بعد ذلك لا تستطيع ألف منحة أن تطمطمه! اجتمعت نفس العصابات الإنترنتية مرة أخرى وقررت بالإجماع على أن تضع “سقفا” يحدد استخدام المشترك للخدمة التي دفع دم قلبه من أجل الحصول عليها. وليت هذا السقف كان معقول العلو بحيث يغطي ما يطلق عليه اسم “الاستخدام العادل”… بل إن هذا السقف يذل المستخدم ويكبله ويمنعه من أدنى درجات الاستمتاع باشتراكه، ومرة أخرى… المستخدم لا يستطيع أن يلجأ لأحد ضد هذه القيود سوى لله!

من أجل ذلك سعى مجموعة من المدوننين الكويتيين لأن يشكلوا جماعة ضغط ضد هذه الشركات على شكل حملة على الوب وعلى موقع تويتر ، الحملة حتى هذه اللحظة غير واضحة المعالم، ولكن نأمل مع تزايد المشاركين فيها أن تكون انتفاضة حقيقية ينعكس صداها على أرض الواقع لتشكل ضغطا شعبيا وسياسيا وقضائيا على تلك الشركات المشؤومة واتفاقاتها الشيطانية.

من أجل ذلك أكتب هذا الموضوع معلنا تضامني مع المئات من المدونات التي شاركت فيها حتى الآن، ونحن جاهزون وبالشوفة لخدمة هذه الإنتفاضة الإنترنتية الباسلة.

 

————

 

روابط و مصادر:

حملة المدونين ضد الانترنت المحدود في دولة الكويت

اتحاد الكويت ضد كبح الانترنت

Break the ISP monopoly in Kuwait (حملة تواقيع عن طريق تويتر)

The ISPs and Ministry of Communication

Internet prices at InfoConnect

مجلس التعاون الجديد و المقاومة الثقافية

من خلال رصد ردود الأفعال على خبر انضمام مملكتي الأردن و المغرب لمجلس التعاون لدول الخليج العربي عبر موقع تويتر لاحظت أن هناك نسبة كبيرة من المعترضين على هذا القرار/الفكرة متعللين بالأسباب التالية:‬ 

‫١- جغرافيا.. المملكتان الجديدتان لا تطلان على الخليج العربي. ‬
‫٢- جغرافيا أيضاً.. المغرب بعيدة عن بقية دول المجلس. ‬
‫٣- “عادات و تقاليد” و تراث المملكتين الجديدتين لا ينسجم مع بقية دول المجلس. ‬
‫٤- الأردن كان لها موقف مضاد للكويت أثناء الغزو. ‬
‫٥- المغرب فيها عدد كبير من اليهود و لها علاقات مع إسرائيل… و كذلك الأردن.‬
‫٦- الخوف على رجال الخليج من المغربيات و الأردنيات! (و هذا الرأي الظريف تدور حوله غالبية التويتات الساخرة)‬
‫٦- أن القرار/الفكرة جاء مفاجئا لمواطني الدول المعنية و تم دون أخذ رأيهم أو حتى تمهيد الأمر له.‬
‫ ٧- المجلس بتشكيلته الجديدة أصبح ناديا للممالك و الإمارات و السلطنات العربية. ‬

‫باستثناء النقطتين الأخيرتين أرى أن جميع الأسباب المذكورة واهية و لا ترتكز على قاعدة منطقية:‬

‫فهل حقا أن دول الخليج الحالية متطابقة اجتماعيا و تاريخيا أو حتى سياسيا؟ لو كانت كذلك لما أصبحت ولا ظلت تلك الدول الست ستاً إلى اليوم! الأردن على الأقل ذو نظام قبلي مرتبط ببقية دول الخليج و متداخل معها ، كما أن العائلة المالكة فيه إنما هي من الجزيرة العربية أصلا ، و المجتمع المغربي كذلك -رغم قلة معلوماتي عنه- يتمتع بنسيج قبلي ممتد كما هو حال منطقة شمال أفريقيا قاطبة ، ثقافيا جميع دول المجلس القديمة و الجديدة متقاربة بالعادات و التقاليد الشرقية و حتى بلبس الدشداشة أو الثوب أو الدرّاعة 🙂 نعم اللهجات تختلف… كما تختلف لهجة أهل شرق عن لهجة أهل دبي ، بعض العادات تختلف… كما تختلف عادات أهل مكة عن عادات أهل الدوحة ، و حتى المذاهب الدينية تختلف كما يختلف مذهب أهل المحرق عن مذهب أهل ظفار ، المغرب فيها يهود؟ دول الخليج فيها هنود! و فيها مسيحيين و هندوس و سيخ و ما لا يعلم به غير الله من ديانات و ملل.‬

‫أولى الدول التي كان الحديث يدور حول انضمامها للمجلس كانت العراق و من بعد ذلك اليمن (و قد دخلتا بالفعل من خلال كأس الخليج مؤخرا) ، العائق الأكبر حول انضمام هاتين الدولتين كان النظام السياسي ، فبخلاف الدول الست الاصلية النظام بالعراق و اليمن لا يمكن ضمانه… و هذا الأمر أثبته و مازال يثبته التاريخ ، فصديق اليوم كان عدو الأمس ، و عدو الأمس كان صديق قبل أمس… وهلم جرا ، و النظام السياسي الملكي/الإماري/السلطاني بالإضافة لثباته فإنه يفرض كذلك علاقة خاصة بين الحاكم و المحكوم مرتبطة ارتباطا وثيقا بطبيعة المجتمع القبلية… ذلك أمر طبيعي و عاشت في ظله شعوب المنطقة لقرون طويلة و يستحيل تغييره خلال سنين أو حتى عشرات من السنين.‬

مسألة الرفض الشعبي لقرار/فكرة الانضمام ليست قائمة على الاجتماع و لا السياسة… و بالتأكيد ليست قائمة على الجغرافيا (دول حلف شمال الأطلسي ليست جميعها تطل على المحيط الأطلسي! و قبرص بعيدة نسبيا عن بقية دول الاتحاد الأوربي) ، بل الحاجز القائم هو حاجز ثقافي بالدرجة الأولى ، ‬فلثلاثين عاما كان الخليجيون يغنون على دولهم و شيوخم الست و يرسمون أعلامهم مترابطة ببعض ، حتى سيميائية إعلاميات المجلس تمثل دوله على شكل كتلة مترابطة و تستخدم رموزا دالة على البيئة الخليجية كمراكب الخليج الشراعية أو الصقر أو البحر أو الصحراء ، الخريطة -والتي يستند عليها أصحاب رأي الترابط الجغرافي- هي جزء من شعار المجلس و بعض أهم لجانه ، تلك السيميائيات و الرموز الثقافية دخلت في عمق النسيج الخليجي طوال السنوات الثلاثين الماضية و تغلغلت فيه بشكل يجعله يقاوم أي تغيير يطرأ عليها بغض النظر عن مسألة الأهمية أو المصلحة في ذلك التغيير… تلك هي طبيعة النفس الإنسانية و طبيعة “الثقافة” بحد ذاتها.

أذكر أنه بعد دورة الخليج الأخيرة و التي أقيمت في اليمن و من خلال برنامج تلفزيوني قدم على قناة دبي الرياضية تمت استضافة مجموعة من الفنانين في احتفالية بمناسبة انتهاء الدورة و فوز الكويت بها ، أحد ضيوف البرنامج كانت الفنانة منى شداد (بالإضافة لطارق العلي و عبدالله بالخير و غيرهم) و التي غنت بمصاحبة الفرقة الغنائية أغنية “لا دار لا هنتي ولا هان راعيك” ، مشكلة هذه الأغنية هي أنه يذكر فيها لقب “أبو فيصل” ، و هي أغنية دينامكية و يمكن تغيير كلماتها و محتواها حسب الحاجة أو الزمن أو الوضع السياسي ، فالفنانة منى غيرتها و أضافت لها ألقاب الحكام الحاليين كـ”أبو ناصر” و “أبو متعب” و “أبو سلطان”… الخ ، لكن الفنانة منى شداد “توهقت” في أمرين: أولا، في السلطان قابوس و الذي ذكرت اسمه دون لقب لأن ليس له أبناء ، و ثانيا في حكام العراق و اليمن و الذين “نقفتهم” من لأغنية من الأساس! و أشك أنها تعرف أسماء الأبناء الكبار لجلال الدين طالباني و علي عبدالله الصالح أصلا!! (أنا شخصيا لا أعرف.. هل تعرفهما أنت؟) تذكر اسم الأبناء الكبار للملك عبدالله (أبو حسين) و الملك محمد (أبو حسن) بالتأكيد سيكون أسهل… و لكن إدخال هاذين اللقبين بالأغنية سيحتاج إلى جهد بسبب الممناعة أو المقاومة الثقافية الناتجة عن تأصل فكرة أن دول المجلس ست… و تطل على الخليج العربي ، و الثقافة دائما أمر معقد و يصعب تغييره و إن كان ليس مستحيلا.

جانب من الممناعة الثقافية يأخذ شكلا سلميا و لا يلبث أن يتبدد تدريجيا ، فطبيعة النفس البشرية تقاوم التغيير بشكل طبيعي و تخاف من المجهول كوسيلة بدائية للدفاع عن النفس ، و لكن هناك دائما الممانعة العنيفة… و ليس بالضرورة أن يكون العنف جسديا أو ماديا ، تتبع آراء الناس على تويتر يبين لنا آثار تلك الممانعة العنيفة بشكل لفظي واضح ، فالأردنيين “زلمات” لا نريدهم بيننا! و المغاربة “سحرة” و بناتهم “فاتنات” لشبابنا … و العياذ بالله!! و الرأي من الجهة الأخري قد لا يختلف كثيرا ، فشباب الخليج “مترفون” و “صيّع” و أهله قد “أفسقتهم” ثروتهم البترولية التي لم يتعبوا في تحصيلها! و طبعا نجد بعض الخليجيين خائفين من اقتسام “كيكتهم” و من مشاركة “الغريب” لهم فيها ، “طبعا… فالأردنيين و المغاربة هم من سيستفيد من ثروتنا و يطمع فيها ، أنظر لهم ما أكثرهم! سيغرقون دولنا برعاياهم و ينافسوننا على لقمتنا! سيأكلون خيراتنا (و يسرقون رجالنا)! لا نريدهم و لا نريد قربهم… نحن “زينين” دون دخولهم لمجلسنا.” و هكذا ترتفع الحواجز و الأسوار التي لا ننفك نبنيها و نعليها حولنا ، هي أسوار ثقافية بالدرجة الأولى ، أسوار تلقي بظلالها علينا و تغشي عيوننا و تمنعنا من معرفة إلى أين يؤدي مسارنا.

بعد هذا الكلام… هل أنا إذا أؤيد انضمام الأردن و المغرب لمجلس التعاون؟ أليست فكرة الضم هذه مؤامرة من الحكام على الشعوب؟ أليس في طريقة اتخاذ هذا القرار استخفاف بتلك الشعوب؟ و هل هناك حقا فائدة حقيقية ترتجى من هذا الانضمام؟

هذه الأسئلة لا تهمني هنا و ليس لها علاقة بهذا الموضوع من الأساس! لندع أمور السياسة لأهل السياسة و أمور الاقتصاد لأهل الاقتصاد.. فهم من يستطيعون الإجابة على تلك التساؤلات ، و لكني شخصيا قبل أن أستطيع أن أكون رأيا سياسيا حول هذا الموضوع يجب أن أزيل عن رأسي الغبار الثقافي الذي تراكم عليه خلال الثلاثون عاما الماضية ، يجب أن أفرق بين المصلحة الحقيقية و بين الحواجز النفسية التي تحول دون تحقيق تلك المصلحة ، و أفرق بين رأي من يتكلم في إنطلاقا من المنطق و العقل و من منطقه يقبع تحت ظلال الأسوار الثقافية التي بناها حول نفسه ، موضوعي ليس سياسيا و لا اقتصاديا ، و لكنه مدخل ثقافي للمسألة… و الثقافة هي القاعدة المؤسسة للشعوب و الوقود المحرك لها ، لن نستطيع أن نبني رأيا صائبا ولا قرارا حكيما إن ظللنا نردد نفس الكلام الذي كنا و مازلنا نسمعه من ثلاثين عاما دون أن ندرك بأننا لسنا من يتحدث… و أنما ألسنتنا (و أصابعنا) قد تبرمجت على ما اعتادت سماعه بأن المجلس هو عبارة عن ست دول تطلع على الخليج العربي! لننسى التعريف الذي تعلمناه في كتب الاجتماعيات قليلا… و لنحاول هدم السور و بناء رأي حر جديد تحت ضوء الشمس و مهب الريح.

ثقافة السور في العقلية الكويتية

أم الثلاث أسوار يا كويتنا !

ترى هل خطر لكاتب هذه الأغنية أن تلك الأم ستنجب أسوارا متعددة أخرى خلال الثلاثة عقود التالية؟ و هل كان سيفخر بأمومة الكويت لهذه الأسوار لو علم إلى أي طريق ستسير الثقافة السورية (من السور و ليس من سوريا) و إلى أين ستصل؟ و هل كان يدرك كيف تؤثر ثقافة السور علينا منذ عام 1760 إلى اليوم؟

تاريخ الأسوار الكويتية

قصة الأسوار الثلاثة الأولى (التي تغنى بها عبدالكريم) معروفة و مؤرخة بشكل جيد و كتب عنها العديد من المؤرخين ، وفقا لمعلومات ويكيبيديا حول هذا الموضوع فإن السور الأول بني عام 1760 و الثاني 1814 و الثالث 1920 ليهدم هذا الأخير عام 1957 لتبقى الكويت بعدها “سور فري” حتى ما بعد الغزو العراقي ، طبعا تلك الأسواركانت فعالة وقتها في صد أي هجمات أو اعتداءات برية على مدينة الكويت ، و كانت ضرورية -كما كان يعتقد- لضبط حركة الدخول و الخروج من المدينة عن طريق بواباتها ، و الحديث هنا عن الضبط الأمني و الضبط التجاري كذلك.

السور الرابع

السور الرابع له قصة مختلفة قليلا ، بدأت الكويت بتشييده… أو بتعبير أدق حفره… بعد الغزو العراقي ، طبعا على خلاف الأسوار السابقة فإن هذا السور لم يكن فعالا لصد غزو جديد مثلا! فالحروب اليوم لا تقف بالغالب عند الأسوار و الموانع و لنا في حرب أكتوبر و حرب تحرير الكويت خير شاهد على ذلك ، فما هو إذن الهدف من هذا السور و قد شارف القرن العشرين على الإنقضاء؟

أذكر بأني عندما كنت أسمع عن السور الرابع كنت أظن بأن الحديث هو عن سور معنوي أو رمزي ، فالأسوار التي تغنى بها عبدالكريم عبدالقادر ليست وسيلة دفاعية وحسب… بل هي رمز على اللحمة و التكاتف الاجتماعي و ذلك لتعاون أهل الكويت جميعا في بنائها و تشييدها في وقت قياسي كما تذكر المصادر ، كما أن تلك الأسوار لها قيمة سياسية حيث أنها ترمز للكيان الكويتي كوجود سياسي مستقل يبني على أرضه ما يشاء و لديه القدرة على صيانة نفسه و الدفاع عن أرضه بكافة الوسائل ، لذلك ظننت بأن الأمر يعني القيمة المعنوية للسور… أي كما كان يقال “شهداؤنا… سورنا الرابع“.

بالواقع فإن السور الرابع لم يكن سورا معنويا فقط… بل كان سورا حقيقيا على الحدود الكويتية العراقية ، فتم إطلاق حملة شعبية لجمع التبرعات لمشروع بناء السور ، أي أنه هذه المرة لم ينشأ بأيدي أهل الكويت بل بأموالهم ، السور كان عبارة عن خندق طويل بالمقربة من خط الحدود الشمالية مزود بوسائل رصد و حماية متطورة كأجهزة الإنذار و المراقبة بالإضافة للأسلاك الشائكة و المكهربة.

الهدف العملي للسور الرابع كان وقاية البلد من عمليات التسلل و التهريب التي انشرت بعد تحرير الكويت ، فقد شهدت الحدود الكويتية خلال تلك الفترة نشاط تلك العمليات التي يتم من خلالها إما هروب أفراد من العراق للكويت أو تهريب للبضائع أو الممنوعات عبر تلك الحدود ، و لعمليات التهريب تلك تاريخ طويل و لكن خطورتها اشتدت بعد الغزو بطبيعة الحال ، من ذلك ندرك بأن ذلك السور كان سورا حقيقيا و ليس معنويا و حسب و كان يؤدي (أو من المفترض أن يؤدي) وظيفة أمنية حقيقية و إن اختلفت العوامل العسكرية أو التكنولوجية المحيطة به ، و طبعا تم ردم و إزالة أجزاء من ذلك السور قبل حرب العراق عام 2003 و ذلك ليتاح للقوات العسكرية دخول العراق عبر الحدود.

للأسف فإن المعلومات التاريخية المتعلقة بالسور الرابع قليلة جد على الإنترنت ، و الأخطر من ذلك هو أن بعضها مغلوط و مقدم بشكل مفرغ المحتوى ، فتذكر بعض “المنتديات” نقلا عن مصدر “فلسطيني” كما تدعي بأن حملة التبرع لمشروع السور الرابع بدأت عام 2005 و هذا أمر غير صحيح ، فأنا أذكر تلك الحملة منذ أيام الثانوية.. يعني….. قبل 2005 و خلاص 😛 ، ثم أن مجموعة الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية: فتاوى عام/ 1992م 1412 – 1413 ه و الصادرة عن وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية الكويتية تشير إلى سؤال عن حكم التبرع لهذه الحملة ، و ذلك يدل على أن الحملة انطلقت منذ عام 1992 أو ربما قبل ذلك.

Veronica Holder - بوابة الجهراء عام 1961

السور الثقافي

كما ذكرت سابقا فإن الأسوار لها قيمة معنوية كبيرة لدى الكويتيين ، فهي مصدر فخرلهم لأنها بنيت بأيديهم (أو أموالهم!) و لأن الشعب تكافل و توحد لبنائها دفاعا عن أرضه و عن وجوده ، و هي ترمز للسيادة على الأرض و الاستقلال عن أي كيان آخر حيث أن لا أحد يستطيع أن يبني سورا على أرض غيره! و تمثل أحد أدوات فرض السلطة و التي تعتبر من مقومات قيام الدولة الحديثة ، و قد قدّر الكويتيون تلك القيم و احتفظوا ببوابات السور الثالث كشاهد رمزي عليها حتى اليوم.

من ناحية أخرى ، فالسور قد يرمز كذلك لحالة من العزلة… و ذلك أمر في غاية الخطورة!

أحد ادعاءات الأنظمة العراقية حول موضوع تبعية الكويت للعراق هو أن الكويت الحقيقية -إن كان هناك كويت- فهي تلك المنطقة الصغيرة التي تقع داخل ذلك السور الطيني! و تلك المنطقة المتناهية الصغر لا تستحق حتى أن تكون وطنا مستقلا! بالطبع فإن هذا الادعاء ليس صحيحا أبدا.. فالسيادة الكويتية كانت تمتد لمساحات أكبر من ذلك بكثير و كانت تتمثل بداية بالولاء القبلي لسكان المناطق المحيطة بالمدينة لشيوخ الكويت ، و تتمثل كذلك بالمنشآت و الممتلكات الكويتية التي امتدت خلال أزمنة متفاوتة حتى وصلت لمنطقة أم قصر و صفوان شمالا و حتى الخفجي جنوبا مخضعة إياها لسلطة الكويت و حكامها ، و قبل أن تتعالى الصيحات و الهتافات ضد أو مع هذه المعلومات أرجو الرجوع للكتب التاريخية المختصة.. فأنا لست خبيرا تاريخيا في مسألة الحدود الكويتية و لكني أعرض لكم ما قرأته في تلك الكتب دون أي دعاوى أو تلميحات من أي نوع ، المقصود من هذه الحقائق هو أن أسوار الكويت كما أن لها دور استراتيجي و عسكري لحماية المدينة و لها قيمة لإثبات شرعية الكيان الكويتي و إثباتا لسلطته بالإضافة للدور المعنوي الذي تحدنا عنه إلا أنه يجب أن لا نحملها أكبر من تلك القيمة ، فهي ليست حدودا عازلة بأي شكل من الأشكال ، لا تعزل الكويت عن ما يحيط بها و لا تعزل “كويتي” عن “كويتي أقل”!!


داخل السور… و خارج السور

و هنا يستمر الألم ، فالأسوار رغم قيمتها المعنوية الإيجابية أصبحت كذلك لها قيمة إنعزالية تتعلق بعلاقة الكويتي مع غيره و كذلك -كما يحلو للبعض أن يدعي- علاقة الكويتي “الأصلي” مع الكويتي “المو أصلي”.

أنا كويتي

فتأصل فكرة السور بالعقل الكويتي جعله يبني “حاجزا” وهميا بينه و بين غيره من الشعوب ، فيرى نفسه مختلف عن غيره و يجب أن يعامل وفقا لهذا الاختلاف ، إنه شعور “قومي” [1. هناك فرق بين فكرتي “القومية” و “الوطنية” ربما نتناولها في مواضيع مستقبلية ، فالأولى تعني الشعور بتفوق على بقية الشعوب و الثانية هي شعور مجرد بالارتباط بالأرض ] بالأفضلية على الغير ، فالآخرين جميعهم طامعون به و يحسدونه على ما هو فيه من نعمة ، و ذلك السور الوهمي في العقلية الكويتية ليس أمرا لا مستجدا و لا هو أمر متأصل بالعقلية الكويتية ، فقد أنشأ هذا السور أول مرة بعد اكتشاف البترول و التوسع المدني و العمراني في الكويت و الذي استدعى هجرة موسعة للآلاف من مواطني الدول العربية و الأجنبية للكويت بسبب عدم كفاية السكان “الأصليين” لسد حاجة وطنهم النامي للقوى العاملة أو للخبرات المطلوبة لبناء الوطن المتطور الذي سعت له الحكومة الكويتية آنذاك ، طبعا في ظل ذلك التقدم السريع و الخير المفاجئ الذي أصاب الكويتيين (مع تشجيع حكومي لمبدأ التوزيع -غير المدروس- للثروة) نشأ لدى الكويتي نوع من التضخم بالذات ، فأخذ يرى نفسه مميزا بعد أن “حباه الله” بنعمة البترول بعد قرون عجاف طويلة ، فظهرت نفسية “أنا كويتي” المتعالية على “الغير” الذي وفد إليها طمعا في تلك النعمة ، و من لا يطمع بالكويت؟ أليست هي ديرتنا التي “فيها اللي نبي“؟!

مرت العقود و لم يتغير ذلك الفكر الإنعزالي كثيرا ، ربما جاءت القومية العربية و الناصرية و المد الاشتراكي و الحركات الإسلامية و غيرها من الحركات السياسية و الاجتماعية و الفكرية التي حاولت مد جسر يوصل الأمة الكويتية بغيرها من أخوانها من الشعوب العربية و الإسلامية ، و لكن و مع بداية التسعينات حدث ما نسف جميع جهود تلك الحركات ! فالغزو العراقي للكويت قام بتحليل و تبخير أي وصلة حاولت العبور من فوق السور الكويتي ، فعدنا نبني السور مرة أخرى و نعالي في بنيانه لأن “العرب مافيهم خير”.. فلا القومية نفعتنا و لا الأخوة الإسلامية… لم ينفعنا إلا دينارنا ! و هكذا استمر ذلك السور الذي يعزل الكويتي عن الآخر ينمو و يعلى إلى اليوم.

السور الطرثوثي

هناك فكر آخر ضيق خناق ذلك السور من خلال تعزيز فكرة النخبوية الكويتية التي لم يكتفي بإرسائها كأساس للتعامل مع الغير.. بل حصر امتيازاتها على فئة معينة من الكويتيين هم فقط من “يستحقون” أن يحصلوا عليها ، فهناك من استند إلى السور كأساس “حرفي” لتقسيم المجتمع الكويتي ذاته إلى فئتين: فئة أصيلة و هي العوائل التي كانت تعيش داخل حدود أسوار الكويت الثلاث الأولى و هي من يستحق لقب الكويتي ، و فئة “غير أصيلة” لا تستحق ذلك اللقب لأنها -كما يدعي أصحاب ذلك الفكر- كانت و لا تزال غير محددة الولاء ، فهي فئة “مزدوجة” كانت تهيم في الصحراء بلا وطن محدد ولا جذور ثابتة تربطها بالأرض ، فهي كنبات الطرثوث الذي تظل جذوره مختفية تحت الأرض ليظهر فجأة بعد سقوط الأمطار و يستمد غذاءه متطفلا على غيره من النباتات.

طبعا إن أخذنا بالنظرة الطرثوثية بكون سكان داخل السور هم الأصيلين و سكان من هم خارجه مجهولو الأصل فإن هذا الأمر يعزز الإدعاءات العراقية التي ذكرناها سابقا بكون الكيان الكويتي إنما هو محصور بتلك المدينة الساحلية الصغيرة… و ذلك أمر بغاية الخطورة! و لكن و لله الحمد فإن الحقائق التاريخية ثابتة و متواترة حول دور قبائل “خارج السور” في حماية الكويت خلال حروبها و معاركها التاريخية المختلفة الأمر الذي يثبت ولاءها السياسي منذ القدم ، و مرة أخرى أقول بأن المعلومات التاريخية موجودة و موثقة بالكثير من الكتب و المراجع التي كتبها المتخصصون في هذه المسائل ، لست هنا لأناقش التاريخ بل لأناقش الأثر الثقافي لهذا التاريخ ، فما يهم الآن و بعد 54 عاما على هدم السور الثالث هو أن الفكر النخبوي الذي تمركز في عقول الكويتيين على مر السنين و جعلهم يبنون أسوارا وهمية تفصلهم عن غيرهم و تجعل لهم فضلا و قيمة لا يستحقها الغير قد ضاق لدى البعض و جعل ذلك السور يحيط بفئة معينة من الكويتيين ، و مصطلح السور إن كنت أتكلم عنه مجازا عند حديثي عن الحاجز الكويتي/الأجنبي فإني أتحدث عنه بشكل حرفي بالمسألة الكويتية/المزدوجة حيث أن أدبيات حملة ذلك الفكر تستخدم “السور” كرمز صريح في للتفرقة بين الكويتي الأصلي و غيره و تضعه شعارا أيقونيا لها!

هكذا نرى بأن السور له قيمة رمزية خاصة في الثقافة الكويتية ، فالسور وجد منذ القدم لحماية الكويت من أي خطر خارجي و أصبح هو وسيلة الحماية المفضلة لدى الكويتيين منذ القرن الثامن عشر و حتى اليوم ، هو رمز للفكر الكويتي الذي عوض صغر المساحة و قلة السكان بتوفير حماية كيانه عبر تلاحم و تكافل الشعب ضد أي أخطار بتشييد سور يحميه منها.. سواء كانت هذه الأخطار خارجية أو داخلية… حقيقية أم وهمية ، فبناها على أرض الواقع عندما ما استشعر الخطر الحقيقي ، و بناها داخل عقله عندما .. أحس بتهديد وهمي لذاته.

بكل تأكيد فإني هنا لا أدعي بأن ثقافة السور التي تحدثت عنها تمثل الفكر الكويتي بشكل عام! أنا لست بهذا السذاجة!! و لكني حاولت أن أقدم صورة عامة لما يمكن أن تمثله كلمة “سور” في العقل الكويتي كما استشفيت من قراءتي لتاريخ الكويت الثقافي و الأدبي ، فما قدمت إنما هو تحليل لما قرأت و سمعت و شاهدت مما يكتبه و يقوله و ينتجه بعض الكويتيون ، بالتأكيد فإن هناك الكثير من الكويتيين لا يتفقون مع الفكر “الطرثوثي” ، و آخرين ليس لديهم سور يحجزهم عن غيرهم من شعوب الأرض ، و لكن لا أظن في ذات الوقت أن هناك من الكويتيين من لا يعتزون بنوع من القيمة الإيجابية للسور الكويتي على مر التاريخ ، و يمكنني القول بأنني لا أعتقد بأنه من السهل على الكويتيين أن يتخلصوا من عقدة السور ، فأسباب الضعف و النقص التي يعانون منها مازالت تلاحقهم و تحثهم على بناء سور تلو الآخر… أسوار بقدر ما تحميهم… تعزلهم.

و الحامي الله..

——————-